هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية) VO
تتيح حركة "لا واحدة أقل" Non Una Di Meno إدراج هويات جندرية غير نمطية وتوجهات جنسانية أكثر مرونة تتراوح بين المذكر والمؤنث، وتتقاسم مع النساء القمع الذي تمارسه الثقافة الأبوية المتسلطة السائدة. تغيّرت أشياء كثيرة منذ التظاهرة الأولى التي نظّمتها المجموعة منذ سنوات وسارت عبر وسط مدينة روما مطلقة صرخة "لا واحدة أقل"، أو "نريد أن نبقى على قيد الحياة". سلّطت المتظاهرات آنذاك الضوء على سخط النساء أمام العدد الثابت لحالات قتل النساء التي لا يوجد ما يشير إلى تناقصها. كانت ألوان الأرجوان تسود تلك التظاهرة.
أرجواني، مثل الوشاح pañuelo الذي ظهر حول عنق أو شعر أو معصم النساء اللواتي تظاهرن في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وقد اعتنقن الرمز الذي اختارته حركة Ni Una Menos في نضالها من أجل شرعنة الإجهاض في الأرجنتين خلال الصيف، وكان لونها الأخضر الناصع. ذلك أن الحق في إيقاف حمل غير مرغوب به بشكل آمن تماماً ودون ألم يندرج أيضاً ضمن مطالبات الحركة الإيطالية Non Una Di Meno التي تقف في وجه القيود المتزايدة التي تمنع تطبيق القانون 194 (وهو القانون الذي ينظم الإجهاض في إيطاليا. نجمت هذه القيود عن تحجج عدد هائل من الطبيبات والأطباء النسائيين والصيادلة بواعز الضمير، كما تولّدت أيضاً من التأثير المتزايد للحركة التي تطلق على نفسها اسم "حركة من أجل الحياة" وتسود في المناطق التي يحكمها اليمين. من وقتها، انتشرت الوشاحات الأرجوانية، أياً كان الموضوع الذي تقرر حركة Non Una Di Meno أن تنزل إلى الشوارع من أجله.
أرجواني مثل "المناطق". هو مشروع رسم خريطة تحدّد "أماكن النساء"، مما يُظهر أن "المناطق الأرجوانية" حاضرة وحية في ثنايا المدينة. كما أن إعادة رسم الفضاءات المدينية عبر العروض الأدائية والعروض الآنية التي ترتجل في الميادين الواسعة والأغاني والرقصات ومداخلات فنون الشارع وغيرها، تهدف إلى استعادتها من جديد لكي يتسنى للنساء ولجميع الأشخاص غير المعياريّين بأن يجتازوها وأن يعيشوا فيها بحرية. إنها ممارسة سياسية تم تأسيسها من أجل الاعتراض على كل الأدبيات التي تفيد بأن المرأة التي تقع ضحية التحرش والعنف في الشارع قد "جنت على نفسها"، وأنه كان عليها ألا تعود إلى بيتها متأخرةّ. لذلك، قامت ناشطات من تجمع "الفاسقات حرات طليقات" Le cagne sciolte بكتابة شعارات على جدران المدينة جاء فيها أن "الشوارع تصبح آمنة بفضل النساء اللواتي يعشن فيها". كل ذلك يتم بانتظار اليوم الذي ستصبح فيه المدن "منطقة أرجوانية" واسعة.
منذ فترة غير بعيدة، ظهرت "العقوبات الأرجوانية": عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والتظاهرات والاعتصامات والعروض الآنية والبيانات الصحافية، يتم عرض أفعال المؤسسات التي تساهم في إدامة العنف والتمييّز والقمع، وفضحها، ليس فقط ضد النساء، وإنما أيضاً ضد الأشخاص من مجتمع الميم LGBTQIA، وكذلك الأشخاص الآتين من بلاد أخرى، والحيوانات وبقية الفصائل الحية أيضاً. تم فرض العقوبات الأرجوانية في البداية على حكومة أندورا كتضامن مع الحركات النسائية في هذه الدولة المتناهية الصغر بسبب عنادها في عدم شرعنة إيقاف الحمل.
سمحت المعلمة المذكورة لنفسها بأن تؤنب تلميذة كانت ترتدي من الأعلى قميصاً يكشف عن سرتها إذ قالت لها "نحن لسنا في سالاريا!"
قبل أسابيع، تم تطبيق تلك العقوبات الأرجوانية على مدرسة ريغي الثانوية في روما حيث أن التلاميذ- على اختلاف هوياتهم وميولهم ومن معتنقي هذه الممارسة السياسية التي اخترعتها حركة Non Una Di Meno – قاموا بنشر لافتة لونها أرجواني على الأدراج في مدخل المدرسة، كما ارتدوا قمصان وبناطيل قصيرة وتنانير قصيرة وصنادل بحبال، كل ذلك من أجل انتقاد استخدام الصور النمطية والأحكام المسبقة من قبل إحدى المدرّسات في الثانوية.
سمحت المعلمة المذكورة لنفسها بأن تؤنب تلميذة كانت ترتدي من الأعلى قميصاً يكشف عن سرتها إذ قالت لها "نحن لسنا في سالاريا!" (فيا سالاريا هو الطريق الرئيسي الذي قام ببنائه في الأصل الرومان من أجل الربط بين روما وبين مرفأ أنكونا على البحر الدرياتيكي). اليوم يُعد هذا المحور أحد الأماكن الرئيسية لقطاع الخدمات الجنسية في روما. وهذه الملاحظة ثقيلة الوقع تم إطلاقها بسبب مخالفة الفتاة لعرف الملابس المُعتمد في مدرسة ريغي الثانوية.
وكأن ذلك ما كان يكفي... فعندما طلبت التلميذة من المديرة ما كان يمكن أن تقوله فيما لو كان من يرتدي ثياباً لا تتوافق مع قوانين المدرسة، ذكراً، أجابتها المعلمة " لقلت له نحن لسنا على شاطئ البحر". بمعنى آخر، ربطت الذكور بالسابحين في البحر في حين ربطت الإناث بالعاهرات. من هنا، كان موقف تجمعات التلاميذ والطلاب الذين عاقبوا -باللون الأرجواني- التمييز على أساس الجنس. إنها لعلامة جيدة أن يعتبر الشبان والشابات هذا التصرف أمراً لا يمكن تحمله.
في الثامن من آذار/مارس، قامت حركة Non Una Di Meno من جديد بدعوة الناس إلى الانضمام إلى ما أسمته "الإضراب الأرجواني"، وهو الامتناع طوعاً ليس فقط عن العمل المأجور، وإنما أيضاً عن كل تلك الممارسات التي تُرجع إلى الأدوار النمطيّة المرتبطة بالنوع الاجتماعي، بدءاً بالعمل المنزلي الذي لا يلحظه أحد ويتم دون أجر أو بالاستهلاك. وإضراب الثامن من آذار/مارس الذي روّجت له حركة Non Una Di Meno يدعم تيارات التفكير النسوية التي كانت ولا تزال تحرّك النقاشات في الشهور الأخيرة التي اتسمت بنقد قوي للنموذج الاقتصادي والاجتماعي الرأسمالي الذي يبدو أن جائحة كورونا لم تقم بزعزعته على أرض الواقع.
في الوقت الحالي، يصطدم الإضراب بمقاومة قوية، على الأخص من جانب النقابات الكونفدرالية التي تمثل الغالبية العظمى من العاملين والعاملات في إيطاليا، ونعني بها الكونفدرالية العامة الايطالية للعمل CGIL، والكونفدرالية الإيطالية لنقابات العمال CISL، والاتحاد الإيطالي للعمل UIL. لكن التغيّب الجماعي عن العمل من دون غطاء نقابي يعني بالنسبة للمضربين والمضربات تعرّضهم إلى اجراءات تأديبية يمكن تطبيقها بسهولة.