هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
في استوديو لا تتجاوز مساحته عشرة أمتار مربعة، تنحني أربع نساء فوق أقراص دوّارة تحت ضوء كشاف أبيض. تتهيأ جوهر فاطمة بسودة، بسماعات الرأس، للانتقال إلى مقطوعتها الموسيقية الثانية، وعلى وجهها عبسة تعكس ارتباكاً خفيفاً. "ثقي بنفسكِ"، تقول لها المدربة والفنانة مريم خماسي مشجعة.
بالنسبة لهؤلاء المتدرّبات على تنسيق الأغاني، لا مجال للنوم في هذا الأحد، فالحادية عشرة صباحاً تعني وقت التدريب في استوديو "لا فابريك"، الواقع وسط مدينة تونس. هنا، تُقام حصص تدريبية أسبوعية على الميكساج مخصصة فقط للنساء والأشخاص غير الثنائيين، في مبادرة تمييز إيجابي ضمن مجال يهيمن عليه الرجال، وتطوّرت تدريجياً خلال السنوات الأخيرة.
"هنا يوجد مكان لنا"
يقول الموسيقي والمؤسس المشارك للمساحة، محمد بن سلامة، بثقة: "غالبية منسقات الأغاني في تونس اليوم مررن من هنا. بات من الطبيعي اليوم رؤية امرأة دي جي، وقد أحدثنا فرقاً حقيقياً في مستوى التمثيل". ومن بين التغييرات الملحوظة أيضاً، أن مديري النوادي الليلية أصبحوا أكثر تقبّلاً لتوظيف نساء لإحياء السهرات.
الطابع غير المختلط لهذه الدورات يشجّع الكثير من المشارِكات على خوض التجربة بثقة أكبر. تقول جوهر فاطمة بسودة، المديرة المشاركة في استوديو "لا فابريك" وإحدى متدرّبات مايو 2025: "هناك مساحات تدريبية أخرى في تونس، لكن عدد النساء فيها قليل، والتسجيل يتطلّب شجاعة كبيرة".
درصاف، إحدى المشاركات وتدير نادياً ليلياً، تطمح بدورها لاعتلاء المسرح. تقول إن أجواء التدريب إيجابية: "هنا، يوجد مكان لنا. نتعلّم معاً، وندعم بعضنا". وتعلّق جوهر، الجالسة بجانبها: "النساء أقلّ غروراً!"، مشيرة إلى أن منسّقات الأغاني يتميّزن غالباً بعمق معرفتهن الموسيقية: "نحن نميل لاكتساب خبرة متينة تجعلنا صامدات".
إلى جانب التمارين العملية، يشمل البرنامج جانباً نظرياً يُقدَّم خارج "الغرفة المظلمة"، في مساحة مريحة تزيّن جدرانها ملصقات ولوحات تعبّر عن التوجّه الفنّي والروح النضالية للمكان.

الـ (دي جي)، مهنة بكل معنى الكلمة
تحت أشعة الشمس المتسلّلة من فتحة السقف، تشجّع مريم خماسي، العائدة من عرض موسيقي في فرنسا، الشابات على التفكير في "الدي جي" كمهنة حقيقية. وبفضل خبرتها الطويلة، تؤكد الفنانة ذات الـ 38 عاماً: "بإمكانكِ تقديم عروض في النوادي، أو في فعاليات رسمية، أو العمل في البرمجة الموسيقية".
تنتمي مريم إلى عائلة تصفها بـ"المحافظة إلى حد ما"، ولم تكن تشاركهم شغفها في البداية، لكنهم مع الوقت تقبّلوا خيارها، تقول ضاحكة: "ليس لديهم خيار على أي حال". انعدام الأمن، الحجة المتكررة لإقصاء النساء عن الحياة الليلية، واقع لا يمكن إنكاره، لكنه لا يُثنيهن. وعن هذه النقطة تحديداً، تقول مريم إنها "تتصرف كرجل"، ترتسم على وجهها ملامح الجديّة، وتجلس بوضعٍ مستقيم وثابت. كما ترفض تماماً استخدام مصطلح "ديجيت" (dijette) بصيغته التصغيرية، مفضّلة "دي جي" بصيغة محايدة لا تميّز بين النساء والرجال.
"هناك مساحات تدريبية أخرى في تونس، لكن عدد النساء فيها قليل، والتسجيل يتطلّب شجاعة كبيرة"
بالنسبة لهيفا (26 عاماً)، طالبة الهندسة المعمارية في سنتها الأخيرة، لا تدري إلى أين ستقودها هذه التدريبات، لكن ما تعرفه جيداً هو أن الموسيقى الإلكترونية منحتها الطاقة اللازمة لمواصلة الدراسة. تقول: "بفضلها يفرز دماغي الدوبامين! لقد ساعدتني فعلاً على تجاوز ضغط العمل".
في أبريل الماضي، أُتيحت لهيفا فرصة الأداء أمام جمهور للمرة الأولى، في الليلة الختامية لبرنامج أطلقته شبكة "فيمينا" لدعم المواهب النسائية، بالشراكة مع جمعية "ثقافتنا قبل" التي تشكّل الهيكل الداعم لاستوديو "لا فابريك". بعيداً عن ضغط الدراسة، تصف شعوراً بالقوة والثقة بالنفس، وتقول بحماسة: "أنا من جعلهم يرقصون!".
غياب الاعتراف المهني
يشكّل تدريب منسّقات الأغاني في استوديو "لا فابريك" جزءاً من عمل جمعية "ثقافتنا قبل"، التي أطلقت شبكة "فيمينا" عام 2019 وتُدار حالياً من بلجيكا. صُممت الشبكة كنموذج إقليمي لتعزيز حضور النساء في المجالات الإبداعية.
في تونس، تُقدَّم تدريبات في الموسيقى الإلكترونية وصناعة المحتوى الرقمي (فيديوهات وبودكاست) داخل خمس مؤسسات تعليمية عامة، بالشراكة مع وزارتين. وتُطبّق جمعيات أخرى في ألبانيا ومصر وفرنسا والمغرب ولبنان النموذج نفسه ضمن الشبكة.
يقول محمد بن سلامة: "لا يمكن دمج النساء اجتماعياً دون تمكينهن اقتصادياً، والمهارات الرقمية وسيلة للارتقاء".
منذ 2012، ساهمت الجمعية في تعزيز التنوّع في المشهد الثقافي التونسي بعد الثورة، إلّا أن الفنانات ما زلن يعانين من غياب الاعتراف المهني.
"يجب أن نواصل النضال من أجل حقوقنا"، تقول جوهر فاطمة بسودة، مشيرة إلى أن الفنانين والفنانات في تونس لا يتمتعون/ ن بأي وضع قانوني معترف به.