في محافظة حلب، اختُطِفتْ فتاتان لم تُعرف هويتهما على يد مجهولين، حيث احتُجزتا بغرض الابتزاز وطلب الفدية. وبعد الإفراج عنهما، قُتلت إحداهما على يد والدها في قرية مران، وقتلت الأخرى في منبج على يد شقيقها (1).
في مطلع نيسان/ أبريل الجاري، انتشر فيديو يُظهر مشهداً صادماً لفتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها، تتوسل من أجل حياتها قبل أن يطلق شاب النار عليها لتسقط قتيلة. وحتى اللحظة، لم تُعرف هوية الفتاتين ولا مرتكبو الجريمتين، ومرة أخرى، يبقى القاتل مجهولاً.
أثارت الجريمتان جدلاً واسعاً في الشارع السوري، خاصة أن العقاب لم يطَل الخاطفين، بل طال الضحيتين أنفسهما.
الأسرة مصدر العنف

وعلقت إحدى السيدات على فيديو الجريمة على "الفيسبوك": "تمَّ قتلهما من قبل الأهل، المكان الأكثر أماناً لكلّ إنسان، إلّا النساء في بلادنا تخشى الأسرة مصدر العنف الذي لم يحدّه قانون بعد".
تكشف التعليقات عن رغبة مجتمعية بعودة الضابطة العدلية والمخافر والدوريات، وضبط انتشار السلاح بعد التغييرات التي أعقبت سقوط نظام الأسد، إذ يعتبر البعض أن الانفلات الأمني هو السبب الرئيسي في تصاعد جرائم القتل والثأر الشخصي. لكن في المقابل، ما تتعرض له النساء ليس ظاهرة طارئة، بل هو امتداد لسلسلة طويلة من الجرائم ضدهن والموجودة حتى قبل سقوط النظام أو الثورة.
يلقي جزء كبير من المتابعين/ ات للقضية باللوم على الأب والمجتمع، اللذين اعتبرا أن المرأتين مذنبتان، رغم أنهما في الحقيقة ضحيتان لخلاف عشائري وثارات ونزاعات مناطقية مؤكدين/ات أن مفهوم "الشرف" الحقيقي يقتضي أن يدافع الأب والأخ عن النساء، لا أن يقتلوهن.
قتل النساء على امتداد سوريا
جرائم قتل النساء مستمرة في سوريا، في الشهرين الماضيين، تصدّرت قضية ليليان أبو سرحان من السويداء(2)، التي قُتلت على يد والدها بـ12 طعنة، واجهة الأخبار، لتضاف إلى سلسلة طويلة من جرائم قتل النساء الموثقة. قبْلها، قُتلت سيدرا غرز الدين (19 عاماً) من بلدة "القريّا" في تموز 2024 على يد شقيقها وبتواطؤ من والدتها،(3) رغم كونها أماً لطفلة رفضت التخلي عنها بعد أن تركها زوجها.
في الحسكة في الشمال الشرقي، عام 2023(4)، قُتلت هبة محمود الخلف على يد زوجها الذي ضربها بأداة صلبة وهرب مع طفليهما، قبل أن يتم توقيفه. أما في الرقة، فقد أظهر فيديو تعرّض الأختين لينا وعائشة الأحمد للضرب المبرح بالعصي أمام المارة، دون أي تدخل، رغم صرخات الاستغاثة(5). وفي القامشلي، تم توثيق مقتل فتاتين (16 و18 عاماً) في تموز/ يوليو 2023 على يد زوجة والدهما، خلافاً لروايتها الرسمية.
وفي طرطوس عام 2015، قُتلت سوسن زين العابدين محمد بعد 18 يوماً فقط من زواجها، حيث عذّبها زوجها ثماني ساعات قبل أن يرميها من الطابق الرابع، بسبب شكّه في تغيّبها لساعتين.

"الفساد القضائي هو القاتل الحقيقي"
التقينا المحامية لميس مخلوف التي تحدّثت عن جرائم قتل النساء والتواطؤ المجتمعي الضمني معها: "هذا النوع من المجرمين لا يُعتبر خطيراً في العرف الاجتماعي، بالإضافة إلى تهاون القضاء الذي يطمس الأدلة ويتلاعب بها أثناء التحقيق".
ما تتعرض له النساء ليس ظاهرة طارئة، بل هو امتداد لسلسلة طويلة من الجرائم ضدهن والموجودة حتى قبل سقوط النظام أو الثورة.
وتشير مخلوف إلى أن وتعاطف بعض القضاة مع هذه الجرائم يؤدي إلى إطالة أمد المحاكمة، وينتهي غالباً بتبرئة القاتل أو تخفيف عقوبته، مستندين إلى مبررات قانونية مثل "الدافع الشريف" في المادة 192، أو إلى ثغرات قانونية واجتهادات قضائية، رغم إلغاء العذر المحل عام 2009، أما العذر المخفف فألغي عام 2020. وتختم بالقول: "الفساد القضائي في النظام السابق كان القاتل الحقيقي".
أما المحامية نارين عبدو من شمال شرق سوريا، فتؤكد قائلة: "الجرائم المرتكبة باسم الشرف لا تزال تُرتكب بوحشية، رغم صرامة قانون الأسرة وتشديده للعقوبات، واستثناء جرائم قتل النساء من مراسيم العفو". وتشير إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فعلية لدعم القوانين الحالية، مثل "رفع الوعي الحقوقي والقانوني لدى النساء والرجال، وتنظيم ورشات ومنتديات تستهدف الرجال وتدين جرائم العار، وتعيد تعريف الشرف كقيمة إنسانية فردية، لا عائلية، إلى جانب بث هذه المفاهيم في وسائل الإعلام، وتوفير خطوط ساخنة للتواصل مع السلطات ومكاتب الشكاوى".
وتشدد نارين على الحاجة لتشريع قانون أسرة جديد في سوريا، يتناول العنف الأسري بوضوح، ويضمن عقوبات رادعة وحماية فعّالة للضحايا.

"الدافع الشريف" في الاجتهادات القضائية
يتجلى تواطؤ القانون في بعض الاجتهادات القضائية، كما توضّح مخلوف: "بالرغم من أن المشرع ألغى المادة 548 عام 2020 التي تخفف العقوبة على القاتل دفاعاً عن شرفه بحسب مفهوم "الشرف" لكنه أبقى على عدّة مواد تخفف من العقوبة بسبب الدافع الشريف وفورة الغضب"، حيث يوسع الاجتهاد القضائي "الدافع الشريف وثورة الغضب"، ويعطي الأسباب التي تأتي معظمها من جسد وسلوك المرأة، ومن بينها: "استمرار العلاقة غير المشروعة بين المغدورة وعشيقها يجعل أخاها في حالة العذر المخفف إذا قتلها وهي في دار العشق"، وهي اجتهادات تعتمدها عادة جهات الدفاع عن القاتل، وينبغي حسب مخلوف، حذفها نهائياً من المذكرات القانونية.
تستمر جرائم قتل النساء في سوريا، مما يعكس الأزمة القانونية والاجتماعية التي يواجهنها، إذ يحتاج المجتمع السوري إلى إعادة النظر في قوانينه وتعزيز الوعي لتوفير حماية فعّالة للنساء، وتعديل التشريعات لتكون أكثر صرامة في مواجهة العنف والقتل باسم ما يدعى "الشرف".
-
قتل فتاتين في منبج السورية: “جرائم شرف” بغرض التباهي
-
جريمة تهز السويداء.. أب يقتل ابنته ويصيب زوجته وينتحر – العربية الحدث
-
مقتل فتاة بجريمة مروّعة على يد شقيقها بريف السويداء – السويداء 24
-
ذكورية أقوى من القانون: "جرائم الشرف" تحصد أرواح مزيد من نساء شمال شرق سوريا
-
الرقة.. اعتقال متهمين بالاعتداء على شقيقتين بداعي “الشرف” – نورث برس