هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
عندما سأل الموظف المسؤول عن كتابة عقد الزواج في ديوان المحكمة الشرعية منى: "هل أنت بكر أم ثيّب[1]؟" تفاجأت ولم تعرف معنى الكلمتين حتى سألت عنهما. لاحقاً، تعرّفت على عبارات أخرى مثل "موطوءة" و"منكوحة"، وهي مفردات قانونية تُستخدم لتحديد مقدار مهرها، واستحقاقها الكامل أو الجزئي للمهر، وكذلك لتحديد ما إذا كانت بحاجة إلى "وليّ" أثناء الزواج أم لا.
أما وفاء فتتذكر قصتها المؤلمة بحُرقة، وتقول: "تعرضت لاعتداء جنسي، لكن الاعتداء الأكبر كان من القانون. استفسارات المحقق كانت مهينة: ’هل أدخل عضوه في مبهلك ؟ هل خرجت معه برغبتك؟ هل كنتِ عذراء؟’ وعند فحصي لدى الطبيب الشرعي، لم يعتبر ما حدث اغتصاباً لأنه لم يُحدث احمراراً في غشاء البكارة ولم يثقبه!"
يكفي أن نلقي نظرة سريعة على القانون السوري، حتى نُصابَ بصدمة حقيقية مَردُّها وفرةُ المصطلحات المهينة للنساء. هذه المصطلحات تقلل من شأن النساء وتختزلهن في مجرد أدوات جنسية، وتقيّم حقوقهن بناءً على صفاتهن الجسدية فقط.
تقول المحامية لميس مخلوف: "توجد مصطلحات قانونية كثيرة ضمن عقود الزواج نأسف لوجودها لكننا مضطرون للتعامل معها، فهي مأخوذة من الشريعة مثل مصطلح' البك'ر وهي الأنثى التي لايزال غشاء البكارة موجوداً لديها، 'والثيب' أي التي زال غشاء بكارتها. كما يعرّف النكاح بأنّه دخول الرجل بالمرأة في موضع الولادة بعقد النكاح. وتختلف العلاقة مع الأنثى الثيب فهي أحقّ بنفسها من وليها، فيمكنها أن توافق على الزواج أو ترفض، ويجب أن توافق بصوت مسموع فلا تتزوج حتى تنطق بالإذن، بخلاف البكر فيكفي في حقها السكوت، أي سكوتها يعبّر عن موافقتها حتى لو لم تنطق".
وفقاً لموقع "إسلام ويب"، يشير مصطلح "مهر المثل" إلى مجموعة من الصفات التي تميز المرأة وتؤثر في تقدير مهرها. يؤخذ هذا المعيار في الإسلام ويعتمد على عوامل عدة مثل جمال المرأة، ومكانتها الاجتماعية، ووضعها المادي، ونسبها، وحالتها الزوجية سواء كانت عزباء أو متزوجة سابقاً. كما تُعتبر "الثيوبة والبكارة" من الصفات التي تؤخذ بعين الاعتبار في تحديد مهر المرأة.
التسليع الجسدي للنساء جزء من تاريخ ذكوري طويل، يقول ابن قدامة[2] في كتابه "المغني"، وفي حديثه عن الموطوءة في نكاح فاسد: "ومهر البكر يزيد على مهر الثيب ببكارتها، فكانت الزيادة في المهر مقابلة لما أتلف من البكارة".
غشاء البكارة مقياس في تحديد الوصف الجرمي
وبحسب مخلوف، يعرّف قانون العقوبات السوري، الذي يتشابه مع معظم قوانين الدول العربية، "الاغتصاب" على أنه: "الاتصال الجنسي مع امرأة دون رضاها من قُبل بطريق الجماع، والفحشاء هي كل فعل مناف للحشمة يرتكبه شخص ضد آخر بصورة تلحق به عاراً أو تؤذيه في عفته أو كرامته".
ويورد القانون شروطاً لاعتبار الاغتصاب "اغتصاباً"، ومنها ألّا يقتصر الفعل على ملامسة عورة بالعضو التناسلي وإنما يتعدى ذلك إلى الإيلاج حتى يلامس غشاء البكارة ويحدث به احمراراً، والمجني عليها لم تتم الثانية عشر من عمرها.
تقول المترجمة المحلفة رُبا خدّام الجامع: "إذا بحثنا عن ترجمة لعبارة 'فض البكارة' في اللغات الأخرى، ستبدو الفكرة مثيرة للسخرية، إذ لا يوجد لها مقابل. يتدخل القانون في حياة النساء الجنسية باستخدام عبارات ومفردات تتناول خصوصيات المرأة، والأسوأ من ذلك هو أن هذه المصطلحات تحمل أحكاماً قيمية ترتبط بقوانين تحدّ من حقوق المرأة أو تحرمها منها. لماذا يجب أن يُذكر في عقد الزواج ما إذا كانت المرأة بكراً أم ثيباً؟ ولماذا يُطلق على العقد اسم 'عقد نكاح'؟"
ومن خلال عملها كمترجمة، لا تجد ربا خدام الجامع مقابلاً دقيقاً في اللغات الأجنبية لكلمات مثل "نكاح"، أو "بكر" و"ثيب". لذا، تترجم "نكاح" إلى "زواج"، و"بكر" إلى "لم يسبق لها الزواج"، و"ثيب" إلى "سبق لها الزواج". أما المفردات مثل "موطوءة" و"منكوحة"، فتعتبرها غير قابلة للتصور حتى ضمن اللغة العربية نفسها، لما تحمله من دلالات مهينة.
تقول: "تجدر الإشارة إلى أن مصطلح 'فض غشاء البكارة' بالإنجليزية (defloration) لم يعد مستخدماً، وأصبح من يستخدمه مدعاة للسخرية، نظراً لأنه بات مرتبطاً بزمن قديم وسحيق."
معايير الجسد بدلاً من المواطنة
تُعتمد في كثير من القوانين في سوريا والبلاد العربية معايير جسدية لتحديد حقوق النساء، ما يعمق الفجوة الحقوقية بين الجنسين. تؤكد الناشطة النسوية علياء أحمد أن هذه المعايير تساهم في تهميش النساء وتقليص مساحة حريتهن ومشاركتهن في المجتمع، نظراً للتمييز القانوني الواضح الذي يكرّس الصور النمطية السلبية ضدهن. وتضيف أن هذه القوانين تعتبر النساء كائنات تابعة تحدَّد قيمتُهن بناءً على أجسادهن، ما يؤدي إلى مصادرة حقوقهن الإنسانية والقانونية، بدلاً من النظر إليهن كمواطنات وإنسانات لهن حقوقهن الكاملة.
وترى علياء أن هذه القوانين تتجاهل المرأة كفرد يمتلك حقوقاً إنسانية مستقلة، إذ تختزل دورها إلى في مجرد وظائف بيولوجية جنسانية تقيد خياراتها الحرة وتحد من حريتها. كما تُحرم النساء من العدالة في حالات عديدة مثل الاغتصاب أو الزواج المبكر أو زواج المطلقات، ما يساهم في تشريع التمييز والعنف ضدهن في العديد من الظروف.
في النهاية، لا بد من إعادة كتابة القوانين بلغة إنسانية وجندرة الدستور بما يضمن المواطنة وحقوق الإنسان المتساوية بين الرجل والمرأة. وهذا يعيد الاعتبار لوفاء، فيكون أي اعتداء جنسي موصوفاً بالاغتصاب بغض النظر عن الغشاء أو الرغبة أو القرابة. كما يساهم في إزالة الحرج عن نساء مجتمعنا اللواتي يتم وصفهن بالموطوءات والمنكوحات، ويوقف التدخل في أجسادهن.