مسلسل "فلوجة": معالجة سطحية لقضايا المرأة - تونس

أجاب مسلسل "فلوجة"، في جزئه الثاني والمعروض على شاشة الحوار التونسي، عن التساؤلات العالقة من الجزء الأول مثل مآل قضية اغتصاب التلميذة القاصر رحمة

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

أجاب مسلسل "فلوجة"، في جزئه الثاني والمعروض على شاشة الحوار التونسي، عن التساؤلات العالقة من الجزء الأول مثل مآل قضية اغتصاب التلميذة القاصر رحمة، كما طرح قضايا جديدة إلّا أنه لم يتم التعامل معها بالدقة القانونية الكافية، ما أوقعها في السطحية وأفرغ المضمون الدرامي من جوهره التوعوي، بخاصة في ما يتعلق بقضايا العنف والاغتصاب وتشغيل القاصرات.

قضايا كثيرة ومعالجة ضعيفة

"فلوجة" مسلسل درامي تونسي، يطرح قضايا اجتماعية وتربوية هامة ، تتعلق بحياة ومشاكل الطلاب المراهقين في المدارس، كالاغتصاب والتحرش الجنسي والعنف والمخدرات، لكن دون معالجة درامية شاملة لقضية بعينها. المسلسل من إخراج وكتابة سوسن الجمني وبطولة سارة تونسي ومحمد بن علي بن جمعة وريم الرياحي وفارس عبد الدايم.
لامست المخرجة قضايا حساسة لكن دون تقديم مرجعيات قانونية دقيقة، ما جعل القصة مُهلهلة، بعيدة عن تنبيه المشاهد حول المكاسب التي يمنحها القانون التونسي المتمثل في القانون رقم 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.

بدا جلّياً أن الجمني سعت، في هذه النسخة، إلى الهروب من الانتقادات التي تلاحق مجمل أعمال قناة الحوار التونسي المتسمة بالإثارة وتغليب الطابع الفُرجوي على المضمون التوعوي، غير أن ضعف السيناريو حال دون نجاح إنتاج عمل درامي هادف، يطرح الواقع بتشعباته الاجتماعية بلا تجميل ويوضح المعطيات القانونية للقضايا المطروحة، ما أدى في نهاية المطاف إلى تغييب المعنى وخسارته.

في الحلقة الأولى تأخذنا الجمني إلى الفضاءات الأسرية لطلاب المدرسة الثانوية التي تُكنّى ''فلوجة" تمهيداً للعودة المدرسية والتي تمثل محور الأحداث وذروة الحبكة في بناء العلاقات بين الشخصيات والمنعطفات الدرامية، والتي تكشف مصير مُغتصب الضحية رحمة ومُعنف المربية نوح.

تجيب الحلقة الأولى على تساؤلات المشاهدين، فيظهر التلميذ نوح حرّاً طليقاً بعد مسامحة المربية له رغم اختطافه وتعنيفه لها، تتطور الأحداث لاحقاً إثر إفلات مغتصب رحمة من العقاب وخروجه من السجن بفعل تلاعبه بالقضية.

اتسم المسلسل، المكون من 21 حلقة، بالبطء وتمطيط الوقائع وضعف المعالجة الدرامية التي لم تركز على قضية رئيسية بل عملت على إظهار قضايا فرعية، ما أخلّ نسبياً بالبناء الدرامي وأفرغه من جوهره الاجتماعي وجعله يستعيد صورا نمطية للنساء.

افتقاد السيناريو لمرجعية قانونية

تمكنت المخرجة من حيث الشكل في إبراز أهمية تكاتف ضحايا التحرش لكنها عجزت عن تحفيز الوعي القانوني الضروري في مثل هذه الحالات.

بعد وقوع كاتبة السيناريو والمخرجة في خطأ قانوني فادح في الجزء الأول، حين زوجت ضحية الاغتصاب رحمة بمغتصبها ابراهيم وهو أمر غير جائز في القانون التونسي بموجب القانون 58 السالف ذكره، وقعتْ الجمني مجدداً في خطأ آخر بعد أن عاقبت الأستاذ المتحرش بالطرد من المعهد دون محاسبة قانونية.
لم يساعد طرد الأستاذ وتكاتف ضحايا التحرش في توضيح المسارات القانونية للمشاهد، إذ يفرض القانون رقم 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة تبليغ المدرسة عن جرائم التحرش، كما أن عقوبة الأستاذ هي أكبر من عقوبة أي متحرش آخر لأنه يمتلك سلطة على ضحيته.

تمكنت المخرجة من حيث الشكل في إبراز أهمية تكاتف ضحايا التحرش لكنها عجزت عن تحفيز الوعي القانوني الضروري في مثل هذه الحالات.

خديجة سويسي

في هذا السياق تشرح الصحافية والباحثة في الجندر والإعلام خديجة سويسي في مقابلة لـ "ميدفمنسوية" أن المسلسل نجح في تمرير رسائل ضد التحرش من خلال ظهور الضحية سلمى في ساحة المدرسة وهي تصيح وتفضح المدرس المتحرش، تقول سويسي: "تزيّن المرأة لا يعني دعوةً ليتحرش الرجال بها، والمتحرش لا يمكن أن يستمر بالتدريس، لكن الطرح في العمل بقي سطحياً لأنه لم يعالج الخلفية القانونية بشكل مدروس لتوعية المشاهدين."

وفي طرح قضية تشغيل القاصرات، من خلال قصة الطفلة رحاب التي أرغمها والدها على مغادرة مقاعد الدراسة والعمل كعاملة منزلية في العاصمة، لم تكشف المخرجة عن أبعاد العنف الاقتصادي المجرّم في القانون أصلاً، فضلاً عن المسارات القانونية الحقيقية لهذه القضايا والتي تقتضي وفق شرح محدثتنا خديجة سويسي تَدخّل مندوب حماية الطفولة (خطة وظيفية موكل إليها التدخل الفوري عند تعرّض طفل ما لأيّ تهديد) بالإضافة إلى تدخل هياكل وزارة المرأة والأسرة وليس كما ورد في المسلسل من خلال وساطة جانبية من قبل المربية وتدخل مركز الأمن.

نُلاحظ كذلك إسراف المخرجة في خدمة البناء الدرامي للشخصيات وعلاقاتها ببعضها لتطوير الأحداث، ما أدى إلى تسطيح مسائل هامة وجرائم خطيرة وتضييع فرصة التوعية القانونية للمشاهدين بخاصة أن الانتاجات الدرامية في تونس شحيحة وتقتصر على الموسم الرمضاني بسبب محدودية السوق وقلة الموارد مقارنة بمصر وسوريا.

سلطت الجمني الضوء على معاناة ضحية الاغتصاب رحمة التي تتعرض للتأثيم والتجريم بداية من عائلتها في مشهد طرد الأب لابنته رحمة من المنزل وهو ما تراه الصحافية والباحثة في الجندر والإعلام خديجة سويسي: ''إيجابياً في كشف دور الأسرة في تكريس العنف الرمزي باعتبارها مؤسسة من المؤسسات الاجتماعية التي تكرس دونية المرأة فضلاً عن التمييز الجنسي الذي ترسخه العائلة عبر تمييز الأم فريال بين ابنها بلال وابنتها سلمى، ما يساهم في تنشئة اجتماعية تقوم على التمييز الجنسي.''

المرأة المُضحية... صورة نمطية

لم يخلُ المسلسل من نمطية تسوّق لممارسات سلبية على أنها إيجابية، مثل صورة المرأة المضحية كالمربية نور (سارة تونسي) التي أسقطت حقّها في ملاحقة معنفها التلميذ نوح (فارس عبد الدايم) ليفلت من العقاب فيما تُعاقب هي بنقل مكان عملها إلى مدرسة بعيدة لتواجه معاناة إضافية.

كما قدم المسلسل صورة أخرى للمرأة المُضحية والمتسامحة مع الخيانة الزوجية في شخصية سماح (شاكرة رماح)، والدة أمل، ما يعيد إنتاج قالب نمطي للمرأة ككائن عاطفي متسامح مع العنف، والتسويق إلى أن ذلك هو أسمى درجات التضحية، ليحظى بالاستحسان والقبول الاجتماعي على أساس أنه ممارسة ايجابية.

ركز المسلسل على إظهار صورة الرجل القوّام في شخصية نوح تقول الباحثة في الجندر والإعلام خديجة سويسي حول ذلك: "ظهر التطبيع مع العنف الذي مارسه نوح على رحمة (تجسد الشخصية رحمة بن عيسى) حينما انتبه لوجود مخدرات في حقيبتها، فقام بتعنيفها بدل نصحها أو السعي لفهم سبب ذلك والذي كان بسبب ابتزاز مغتصبها الذي ورطها في الترويج للمخدرات قسرياً، فلم يوازن بين نبذ التحرش ونبذ العنف ضد النساء."

من جهة أخرى، ووسط كثرة القضايا التي حاول العمل معالجتها، لم تُطرح مسألة تجميد بويضات العازبات بوضوح ولم يُزَلْ الغموض عنها، إذ تمَّ تناولها بسطحية حين أعربت مديرة المدرسة ليلى (نعيمة الجاني) عن رغبتها في الحمل باستخدام بويضات مجمدة لكن التشريع التونسي يمنع العازبات من تجميد البويضات إلاّ في حالات معينة كالعلاج من الأمراض السرطانية.

رغم الأخطاء القانونية وسطحية الطرح في كثير من قضايا العمل، يظل "فلوجة" محاولة استنطاق الأبعاد الاجتماعية للهيمنة الذكورية التي تولّد التمييز الجنسي والتحرش.

Exit mobile version