هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
خلال المؤتمر الدولي "الغابة كعامل مؤثّر: مزيدٌ من الطبيعة للنضال ضد التغيرات المناخية"، تحدثت فيوريه لونغو عن تسليع الطبيعة واتّهمت سيطرة نموذج "حصون الحماية" التي تنتهك الحقوق الإنسانية للسكّان الأصليين حيث أن "الأراضي التي سُحبت منهم بالقوة صارت مناطق حرب حقيقية، والنساء هن اللواتي يدفعن نتائج ذلك بشكل أساسي".
إن حماية النظم البيئية وترميمها عامودا النضال الأساسيّان ضد التغيرات المناخية التي تحصل حالياً. بالفعل، فإن حالات الجفاف والفيضانات هي تداعيات مباشرة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري والاستهلاك المفرط لموارد كوكب الأرض. فالفيضانات العنيفة التي اجتاحت مؤخراً منطقة اميليا رومانيا في إيطاليا (1) بيّنت أن بلادنا المحاطة ببحر أبيض متوسط في حالة فوران تتعرّض بشكل دراماتيكي لظواهر متطرّفة تطال بشكل أساسي المناطق المعرّضة لمخاطر كبيرة، جيولوجية ومائية. لذا، صار من الضروري التدخل من أجل تخفيف التأثيرات الكارثية للاحتباس الحراري والمبادرة إلى القيام بتغييرات جذرية على مستوى نمط الحياة الذي صار يفتقد للاستدامة (2). ومن الملحّ في هذا الإطار التخلي عن النماذج التقليدية لحماية البيئة التي فرضتها "الكولونيالية الخضراء" التي تتعامل مع النظم البيئية على أنها سلعة وتنتهك الحقوق الإنسانية للسكّان الأصليين من خلال انتزاع ملكيتهم لأراضيهم بهدف تحويلها إلى سلع استهلاكية بدعمٍ من كبرى الشركات متعدّدة الجنسيات.
أدانت فيوريه لونغو هذه الممارسات التي حوّلت الأراضي إلى مناطق حرب تدفع النساء فيها بشكل خاص الثمنَ الباهظ الناجم عن النزاعات، وذكرت أن "النضال البيئي يجب أن يكون قبل كل شيء نضالاً من أجل تغيير رؤيتنا للعالم ونموذجنا الاقتصادي، لكنه يجب أن يكون أيضاً نضالاً نسوياً، وإلا تحوّلَ إلى مجرد عناية بالحدائق".
وتشرح فيوريه كيف أن "لتصوّراتنا عن الطبيعة، والكلمات التي نستخدمها لوصفها، سلطة هائلة تؤثر بشكل دائم في أفعالنا وخياراتنا السياسية. فنحن نعتقد أن التوصيفات حيادية وعلمية وموضوعية، لكنها ليست كذلك على الإطلاق، لأنها متجذّرة في المتخيّل الكولونيالي، وفي الاعتقاد بتفوّق العرق الأبيض، وفي الظلم الاجتماعي والعنف. إن فكرة الطبيعة البرّية، أي تلك التي تخلو من أي حضور إنساني، سمحت على سبيل المثال للمجتمعات الأوروبية بأن تستولي على المناطق التي كان يُعتقد أنها غير مسكونة. لكن هذه الأماكن كانت في الواقع مؤئلاً لآلاف الأشخاص، وكانت المورد الذي يسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة، وهي أيضاً الأرض المقدسة التي تقام فيها طقوس موغلة في القدم، والبيوت التي سكن فيها الأجداد. من هذه التصورات المحرّفة عن الواقع وُلد مفهوم المناطق المحميّة. وقد تم تأسيس المحميات الطبيعية الأولى في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، وسرعان ما امتدّت إلى إفريقيا ثم إلى آسيا. كانت الفكرة الأساسية منها بسيطة للغاية: فبحسب ما تقتضيه الرؤية العنصرية للمجتمع، يقوم السكان الأصليون بتدمير البيئة. وحدنا نحن، أي المستعمرون البيض، نستطيع أن نمنع ذلك بعلمنا وخبراتنا".
بحسب منتدى المرأة للاقتصاد والمجتمع، تعاني النساء أكثر من الرجال من مؤثرات التغيّرات المناخية، [...] فإنّ النساء يتعرّضن لخطر الموت من كارثة طبيعية أكثر من الرجل بـ 14 مرة، ويمثلن 80 % من اللاجئين بسبب الظروف المناخية.
إلى ذلك، كما توضح عالمة الأنثروبولوجيا، إن تصورنا لما هو "الآخر" يعود إلى المستكشفين الأوائل الإسبان الذين "كان السكان الأصليون بالنسبة إليهم إما أشخاصاً بدائيين يقومون بتخريب البيئة، أو أرواحاً نقية وبريئة، بحسب صورة "المتوحشين الطيبين" التي كرّسها جان جاك روسو. وهم لا يتوافقون مع توقعاتنا إلا عندما يبتسمون ويضعون الريش على رؤوسهم. إننا ننتظر دائماً من الآخر أن يتوافق مع ما نعتقد أنه يجب أن يكون عليه. وهذا العنف الذي يكمن في طريقة التفكير والنظرة إلى الآخر مدعومٌ باللغة التي تسود النصوص المدرسية والتقارير والأفلام الوثائقية التي تدور حول الغطاء النباتي والحيواني ودعايات المنظمات غير الحكومية. يجب أن نزيل الطابع الكولونيالي عن هذا كله".
من جهة أخرى، تُوجّه فيوريه لونغو نقداً لاذعاً للنموذج الحالي المسيطر والمسمّى "حصون الحماية" التي تمنع السكان الأصليين من القيام بالنشاطات الضرورية لبقائهم على قيد الحياة، مثل الصيد وتربية الحيوانات وقطف الأعشاب والزراعة. وتضيف الباحثة، "إننا نشهد تسارعاً خطيراً لعمليات عسكرة المناطق المحميّة التي يقوم بها بالتعاون مع الشرطة والجيش حرّاسُ غاباتٍ مسلّحون يتم تدريبهم على تقنيات الحرب من أجل منع السكّان الأصليين من التغلغل في ما كان في السابق أرضاً لهم، في حين يتم السماح للغربيين بأن يدخلوا إليها، بل وأن يقوموا فيها بالصيد من أجل الرياضة. أما أولئك الذين يجرؤون على خرق هذه القوانين، فيتعرّضون للقتل أو المعاملة القاسية وحتّى التعذيب. كل ذلك بسبب الأموال التي تقدمها المنظمات الكبيرة الدولية، مثل صندوق دعم عالم الحياة البرية WWF".
للأسف، لا تطال الخسارة الحقوق الإنسانية المهدورة فقط، وإنما الطبيعة أيضاً. فقد بيّنت الدراسات العلمية أن 80% من التنوع الحيوي موجود في أراضي شعوب السكان الأصليين الذين يُعتبرون "أفضل حماة للبيئة، لكن ما يهمنا قبل كل شيء هو أن يتم الدفاع عن حقوقهم، إذا لا شيء يبرّر انتهاكها".
تعنيف النساء المنتميات إلى الشعوب الأصلية
تؤدّي النساء من شعوب السكان الأصليين في العالم بأسره دوراً مفتاحياً في مجتمعاتهن: فبفضلهنّ، يتم حفظ المعارف التي تعود لآلاف السنين وتُعدّ أساسية من أجل حماية البيئة وتأمين الغذاء والمأوى ورعاية الأطفال وتأمين الماء الذي صار من الصعب توفيره، وتتزايد المسافة التي تفصل أماكن تأمينه عن مناطق سكنهنّ". في تلك المحميات، تكون النساء أكثر عرضةً للتهديد من غيرهنّ من الأفراد لأن هشاشتهن مزدوجة"، وفق الأستاذة لونغو التي جمعت مئات الشهادات المتعلقة بانتهاكات للحقوق الإنسانية في إطار عملها.
"هناك رابطة عميقة بين العنصرية والكولونيالية والنظام الأبوي المهيمن وكراهية النساء؛ وجميعها يُستخدم كأدوات للمراوغة والهيمنة واستغلال التنوّع البشري الذي يُعدّ أكبر ثروة لدينا"، كما تشرح لونغو.
"إن حالات الاغتصاب التي يرتكبها حراس الغابات كثيرة وتطال بمعظمها النساء من الشعوب الأصلية اللواتي نادراً ما يبلّعن عن الأمر لكي لا يهجرهن أزواجهنّ أو لا يتم تهميشهنّ داخل مجتمعاتهن.
حالات الاغتصاب التي يرتكبها حراس الغابات كثيرة وتطال بمعظمها النساء من الشعوب الأصلية اللواتي نادراً ما يبلّعن عن الأمر لكي لا يهجرهن أزواجهنّ أو لا يتم تهميشهنّ داخل مجتمعاتهن.
"علاوةً على ذلك، إنّ الغالبية العظمى من المترجمين الذين يعملون مع المنظمات الدولية هم رجال كون لهم القدرة على دراسة لغات أجنبية. وعليه، يصبح من الأصعب على النساء التبليغ عن الانتهاكات الجنسية والتحدث براحة أمام مترجمين رجال خوفاً أو خجلاً منهم ومن ردود فعلهم"، كما تشرح لونغو. وتردف، "أنا كمناضلة غالباً ما أتساءل كيف يمكن الدفاع عن حقوق هؤلاء النساء، لأن لفت النظر إلى قصصهن يمكن في بعض الأحيان أن يعرضهنّ لمخاطر إضافية".
معارك النضال البيئي النسوي
كشف تحقيق استطلاعي أنجزه منتدى المرأة للاقتصاد والمجتمع عام 2021 أن النساء أكثر التزاماً من الرجال بالنضال ضد التغيرات المناخية إذ إنهن يعدّلن نمط حياتهن بأفعال ملموسة؛ وأن التفاوت بين الجنسين في الوزارات المعنية بالطاقة ووسائل النقل والبيئة مرتفع للغاية: ففي إيطاليا مثلاً، وفي 78 % من الحالات، يكون الموظفون الكبار الذين يمثلون تلك الوزارات من الذكور؛ وأنّ هناك عدد متزايد من الناشطات اللواتي يناضلن من أجل إنقاذ الكوكب وإيجاد البدائل واحترام حقوق الشعوب الأصلية.
نذكر من بين هؤلاء الناشطات "المدافعات عن الأشجار" ضمن حركة شيبكو في الهند، وناشطات نسويات يدافعن عن البيئة ولهنّ شهرة عالمية مثل فاندانا شيفا Vandana Shiva والشابة غريتا ثانبيرغ Greta Thunberg. من جانب آخر، كثيرات من الناشطات يعملنَ بعيداً عن الأضواء علماً أنهن يقاتلن بالشجاعة نفسها وبالإصرار نفسه. من بين هؤلاء، نذكر بوليت، وهي امرأة مسنّة من قبيلة باكا التقتْ بها فيوريه لونغو في غابة كونغولية التي يريد صندوق دعم عالم الحياة البرية WWF أن يحولها إلى محمية رغم ممانعة أهلها. "لقد انتشر حراس الغابات في الموقع، وكانوا بالأصل عنيفين جداً"، بحسب ما تذكر عالمة الأنتروبولوجيا.
"بعد أن أمضيتُ بعض الوقت مع بوليت من أجل محاولة فهم ما يجري، اقترحتُ عليها أن نقوم بمقابلة فيديو، وفي الوقت ذاته أوضحتُ أنني لن أستطيع أن أؤمن لها الحماية ضد أي فعل انتقامي محتمل لأنني مضطرة إلى الرحيل بعد ذلك. أجابتني بحزم: "دعيهم يأتون!"، وعندما نجحتُ أخيراً في العودة إلى هناك بعد وباء كورونا، التقيتُ بها في الغابة وقالت لي أنها لم تتعرض للمضايقة من أحد"، تروي لنا لونغو.
كما هي حال بوليت، هناك سوزان وأوديت وغيرهما من نساء قبيلة الباكا اللواتي اخترن تقديم شكاوى ضد الانتهاكات والعنف المرتكب ضدهن، على الرغم من المخاطر المحدقة من كل حدب وصوب، ذلك أنهن يشعرن أن لم يعد لديهن ما يخسرنه.