هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
بقلم أوفغو بينار
"إن العقبة الأكبر أمام فعالية الآليات التي تم تطويرها من أجل الوقاية من عنف الرجال تجاه النساء هي الموظّفون الحكوميون وعناصر إنفاذ القانون الذين يهملون واجباتهم من خلال عدم تطبيق القوانين والمراسيم". هذا ما جاء في نص لمؤسسة "مأوى السقف القرمزي للنساء" (مور شاتي)، وهي واحدة من أقدم وأقوى المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المأوى الآمن للنساء ضحايا العنف في تركيا.
"إن العقبة الأكبر أمام فعالية الآليات التي تم تطويرها من أجل الوقاية من عنف الرجال تجاه النساء هي الموظّفون الحكوميون وعناصر إنفاذ القانون الذين يهملون واجباتهم من خلال عدم تطبيق القوانين والمراسيم". هذا ما جاء في نص لمؤسسة "مأوى السقف القرمزي للنساء" (مور شاتي)، وهي واحدة من أقدم وأقوى المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المأوى الآمن للنساء ضحايا العنف في تركيا.
ففي تقرير نشرته المؤسسة في شهر كانون الثاني/يناير 2021، جمعت المؤسسة حالات كثيرة من الممارسات السيئة التي سطّرها عناصر إنفاذ القانون في معرض معالجتهم طلبات تأمين ملجأ لامرأة ضحية عنف. ووجّهت لهم تهمة "تعريض حياة النساء للخطر، إما بشكل مقصود، أو بسبب الجهل". وخلص التقرير إلى النتيجة الرئيسية التالية: "الدولة أضعفت فعاليّة قوانينها".
في الواقع، في تركيا قوانين ونصوص تعالج العنف تجاه النساء. فالقانون رقم 6284 "لحماية الأسرة ومنع العنف ضد النساء" موجود ومُعترف به، وعلى نطاق واسع، بوصفه أحد الإنجازات الرئيسية للحركة النسوية في تركيا، ومرّر عام 2012 كخطوة عملية لإدماج اتفاقية اسطنبول في التشريعات المحلية، ومن أهم ما جاء فيه أنّه يتطلّب إعطاء النساء الوسائل الكافية للحماية، مثل الملاجئ وأوامر الحماية الرادعة للجناة، والمواكبة السليمة من قبل الشرطة.
ولكن، تكمن المشكلة الأساسية في كون القانون غير مطبّق بالشكل والوتيرة اللازمتين، بحسب ما تدلي به مدافعات عن حقوق النساء، لا بل يشهد تراجعاً من حيث التطبيق، تحديداً بعد قرار الحكومة التركية الانسحاب من اتفاقية اسطنبول الخاصة بالعنف الجندري والأسري. والنتيجة هي أنّ النساء اللواتي يحاولن الهرب من العنف غالباً ما أصبحن يضطررن للكفاح المضاعف، ضد العنف وضد المقاومة التي تبديها المؤسسات العامة أيضاً.
بالإضافة إلى ذلك، زادت حالات الطوارئ التي فرضتها جائحة كوفيد 19 من الصعوبات التي تواجهها النساء في سعيهنّ للهروب من العنف وإهمال المؤسسات. وفي هذا الإطار، تتهم مؤسسة "السقف القرمزي" المؤسسات الرسمية بأنها "تستخدم الجائحة كعذر"، إذ تمّ رفض طلبات إيجاد مأوى لعددٍ كبير من النساء في الآونة الأخيرة.
145 مأوى بسعة 3,482 حالة
يشتكي الحقوقيون/ات من واقع مفاده أن قدرة الملاجئ الحالية على استيعاب الحالات أقلّ بكثير من الطلب عليها، وهذا ما تؤكّده الأرقام الرسمية المتاحة. فبحسب البيانات التي قدّمها مركز التواصل الرئاسي (Cimer)، ليس هناك سوى 145 مأوى للنساء في تركيا، من بينها 110 تديرها وزارة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية. وهناك 32 مأوى تديرها البلديات، و2 تديرهما المديرية العامة لإدارة الهجرة، ومأوى واحد يديره "السقف القرمزي".
تبلغ قدرة الاستيعاب الإجمالية لهذه الملاجئ 3,482 شخصاً فقط، وهذا في بلد يبلغ عدد سكّانه84 مليوناً وسُجّلت فيه أكثر من3000 حالة قتل لنساء خلال السنوات العشرة الأخيرة. وإذا ما قارنّا الحال مع دول مثل السويد، نجد أنّ في الأخير10 مليون نسمة غير أنّ عدد الملاجئ فيه161 ، أي أكثر من العدد المتوفّر في تركيا المكتظّة.
من هنا، يستمرّ الحقوقيّون/ات بالمطالبة بمزيد من التسهيلات لاستضافة النساء المحتاجات لمأوى بحيث يصبح بمقدور اللواتي لا موارد مالية لديهن ولا شبكات دعم أن يجدن سقفاً وطريقة للعيش بعيداً من العنف الواقع عليهنّ. مع ذلك، فإن زيادة عدد الملاجئ فقط ليست كافية لحلّ المشكلة. فالكثير من التسهيلات الموجودة تحتاج بدورها إلى المزيد من التمويل والمزيد من العاملين/ات وإلى بنية أكثر نسوية وأقل تراتبية في طريقة عملها. بنية يمكن أن تساعد أكثر في تمكين النساء ودفعهنّ لاتخاذ القرارات الملائمة لحيواتهن.
تبلغ قدرة الاستيعاب الإجمالية للملاجئ 3,482 شخصاً، وهذا في بلد يبلغ عدد السكان فيه84 مليوناً وسُجّلت فيه3000 حالة قتل لنساء في السنوات العشرة الأخيرة
"تظهر تجارب النساء اللواتي أقمن في ملاجئ الدولة بأن الممارسات في هذه المرافق بعيدة كل البعد عن تمكين النساء. لا يقتصر الأمر على كون النساء فيها لا ينلن الدعم الذي هنّ بحاجة إليه لكي يتمكّنّ من بناء حياتهنّ من جديد، وإنما يمتدّ ليشمل ممارسات تؤدّي لإجبارهنّ على مكابدة ظروف تشبه السجن لأسبابٍ أمنية"، بحسب ما جاء في تقرير "السقف القرمزي".
الممارسات السلبيّة في مؤسسات الدولة تشمل مثلاً التوبيخ الذي يصدر عن الموظفين/ات، وحرمان النساء من حرية الخروج أو استعمال الهاتف، وعدم السماح لهن باصطحاب الأبناء فوق سن ١٢ عاماً معهن، وغير ذلك من الأمور.
إلى ذلك، تسببت الجائحة، كما في معظم الدول، في مفاقمة المأزق الذي تعيشه النساء. فصدر بيان مشترك لمؤسسة "نساء من أجل حقوق الإنسان"، ومؤسسة "طرق جديدة" ومؤسسة "مأوى السقف القرمزي"، ذكّرت فيه المجموعات بتفاصيل المشكلات الموجودة أصلاً والتي تفاقمت خلال الوباء.
"على الرغم من النصوص القانونية الملزمة التي وافقت عليها الدولة، كنّا خلال فترة طويلة نلاحظ وننشر تقارير مفادها أن هناك على صعيد الممارسة الفعلية على الأرض عوائق عدّة تحول دون منع العنف ضد النساء. خلال الجائحة، لاحظنا انقطاعات مهمّة في آليات مكافحة العنف ضد النساء، مع العلم أن الفايروس ساهم في عرقلة تحرّكاتهنّ".
ويتابع البيان، "إنّ المشكلة التي لُحظت أكثر من غيرها هي إهمال الموظفين/ات والمسؤولين/ات عن تنفيذ القانون ذي الصلة (6284). فلدى تعرّض النساء إلى العنف وطلبهنّ المساعدة، لم يتم إعلامهنّ بحقوقهنّ أو تم إعلامهنّ بها بشكل خاطئ أو غير مكتمل، وثنيهنّ عن متابعة الشكاوى، بل وإجبارهنّ على إظهار الأدلة على الرغم من أن القانون ينص على ما هو عكس ذلك؛ كما كان يتم دفعهنّ نحو التصالح مع المعتدي، حتى ولو كان ما تعرّضن له جريمة واضحة، واحتجازهنّ في مراكز الشرطة لساعات من دون أن تكون لديهن قدرة على تسجيل شكاواهنّ".
من بين الانتهاكات الجسيمة لحقوق النساء المذكورة في البيان "الرفض التعسفي لطلبات النساء للوصول إلى الملجأ الذي يعتبر محطّة ضرورية لسلامتهنّ"، و"عدم السماح للنساء بمغادرة الملجا"، و"مصادرة هواتفهنّ"، و "الانتهاكات الأمنية التي تعود لكون المسؤولين/ات لا يتورّعون عن إعطاء الآخرين عناوين الملاجئ التي يجب أن تبقى سريّة".
الانسحاب من اتفاقية إسطنبول
ليست انتهاكات عناصر إنفاذ القانون بعيدة الصلة عن الجدل السياسي الذي اندلع مؤخراَ إثر قرار الحكومة بالانسحاب من اتفاقية اسطنبول. وندّدت في أعقاب ذلك مؤسسة تضامن النساء KADAVبعواقب هذا القرار الصادم في تقرير نشرته في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2021.
"ما تسجله النساء عن تجاربهنّ الشخصية بعد إلغاء اتفاقية إسطنبول يُظهر أن أحد أكثر الأمكنة التي يواجهن فيها المشكلات هي وحدات تطبيق القانون التي يتصلن بها بعد تعرضهنّ للعنف".
تذكر مؤسسة "تضامن النساء" أيضاً الزيادة في تكرار المشكلات التي تواجهها النساء عندما يعربن عن رغبة بالتبليغ عن العنف. ومن بين هذه الصعوبات، فشل عناصر إنفاذ القانون في تسجيل شكاوى النساء وعدم اتخاذهم إجراءات تحت الحجة الوهمية بأنهم غير مخولين بذلك أو ليسوا مسؤولين عن ذلك، كما ورد في بعض التقارير. أما النساء المهاجرات أو اللواتي لا يتكلّمن اللغة التركية، فواجهن صعوبات أعقد نتيجة حرمانهنّ من مترجم/ة لدى تسجيل أي شكوى.
كل ذلك يحصل على رغم وجود القانون 6284 الذي حظي بتقدير كبير، وحُضّر بعناية مع مشاركة وجهود حثيثة من قبل المدافعات عن حقوق النساء. إن القوانين التي تمنع العنف على النساء موجودة، لكن على أرض الواقع، "صارت غير فعالة" بسبب المؤسسات الرسميّة، تستنتج مؤسسة "السقف القرمزي".
من بين الانتهاكات الجسيمة لحقوق النساء المذكورة في البيان "الرفض التعسفي لطلبات النساء للوصول إلى الملجأ الذي يعتبر ضرورياً لسلامتهن"، و"عدم السماح للنساء بمغادرة الملجا"، و"مصادرة هواتفهن"، و "الانتهاكات الأمنية التي تعود لكون المسؤولين يتشاركون بعناوين الملاجئ في حين يجب أن تكون سرية"
خطة أردوغان حول "لجان السلام" تثير الغضب
المقلق اليوم هو الإشارات المتزايدة التي تعكس المحاولات الحثيثة لتغيير القوانين الحاليّة التي من شأنها أن تضمن حماية النساء. ففي خطاب له في أيلول/سبتمبر 2021، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن خطط لتأسيس "لجان سلام" في كل محافظة تركيّة. وعلى الرغم من أنه لم يعطِ تفاصيل كثيرة عن المسؤوليات التي قد تتولّاها هذه اللّجان، إلا أن السنوات الطويلة من حكمه تشي للحقوقيين/ات بما يمكن أن يدور في ذهنه.
تخشى المنظمات النسويّة أن تُستخدم هذه اللجان كوسيلة لتجنّب الطلاق مثلاً، بدلاً من حماية النساء من العنف، وأن تؤدّي دورها كوسيط لتدفع النساء نحو التصالح مع أزواجهن العنيفين.
في هذا السياق، تحذّر منصة "النساء للمساواة في تركيا" EŞİK ، وهو ائتلاف يجمع مئات النساء ومنظمات مجتمع الميم من أن "مشروع "لجان السلام" يمكن أن يكون شديد الخطورة على الطابع العلماني للقانون، وعلى النضال ضد العنف الممارس على النساء عموماً". وأطلقت EŞİK في شهر تشرين الأول/أكتوبر حملة أسمتها "لا تمس بالقوانين، بل طبّقها" قالت فيها: "نحن الذين صنعنا هذه القوانين، وحبسنا أنفاسنا قبل كل حزمة إصلاح قضائي، نحن مستعدون للكفاح معاً ضد أي تهديدات جديدة".