هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية)
أغمضت عينيها تنتظر نتيجة الخزعة. مرّت أمامها صورُ أبنائها وبناتها وعنّ سؤال: "مَن سيعتني بهم إذا أتت النتيجة إيجابية؟ كيف سأذوب أمامهم وأنا مصابة بـ"هداك المرض؟".
لم تستطع سلام ذكر اسم المرض حينها، حتى بينها وبين نفسها. ثم استيقظت من غفوتها على وقع صوت الطبيبة وهي تقول: "لا بأس، لديك نوع من الورم في ثديك ويمكننا بدء المعالجة فوراً".
تخبرنا سلام، وهي سيدة ثلاثينية وأم لأربعة أطفال وموظفة في مؤسّسة للغزل والنسيج، كيف ساعدها "كلام الطبيبة الهادئ على تلقّي صدمة خبر المرض، وكأنه مرض عادي"، وتقول، "خرجتُ من الغرفة إلى البهو لآخذ موعداً جديداً من السكرتيرة. تلقتني عيون سيدات أخريات سبقنني إلى تلك التجربة، وسمعتهن يتكلمن عن مرضهن بشكل عادي على الرغم من أنهن خضعن لاستئصال الثدي، ومررن بمراحل هرّ الشعر والانتفاخ نتيجة العلاج، غير أنهن كنّ يضحكن ويتبادلن تجاربهنّ بطريقةٍ ساعدتني مع مرور الوقت على تحمّل الجلسات واللقاءات وشجّعتني على تغيير تعابير مثل "هداك المرض" أو "بعيد من هون" إلى اسم المرض الحقيقي، وهو "السرطان"، كما أصبحتُ أقتبس من الحملات ذات الصلة بالمرض وأستخدم تعبير "الضمة الوردية".
عضّاتُ طفلي... ألمي الوحيد
تتحدّث سحر، 54 عاماً، حول تجربتها معنا. تصفها بالتجربة الغنيّة، ذلك أنها سمحت لها باختبار البشر والحياة وساعدتها على تغيير الكثير من المفاهيم وتقبّل ما يأتي بطريقة أكثر واقعية. وفي هذا السياق تقول، "عملتُ في مجال كتابة القصص والتعليم ورعاية أبنائي، وعندما بدأت أشعر بتعب في جسدي ذهبت لزيارة العيادات الطبية، وكانت النتيجة تخوّف من مرض السرطان نتيجة التكتلات الكلسية التي من الممكن تحولها إلى سرطان. لذا، كان القرار باستئصال الثدي، وحينها لم أفكر إلّا بعضات طفلي التي كانت مطبوعة على الثدي الأيمن عندما كنت أرضعه... هذه العلامة المحبّبة إلى قلبي سوف ترحل عن جسدي، وعندها فقط بكيتُ كثيراً. بعدها، استجمعت قواي وبدأت مسيرتي في العلاج وعلى رغم اكتشاف المرض في أماكن جديدة بقيتُ متماسكة متّكلة على المحبة والإيمان والمتابعة العلمية. فالمرض أبسط مما يتحدّثون عنه، لكن علينا بالتصميم على الشفاء بالمعرفة والتفاؤل".
في الوعي قوّة... لكن العبرة في تأمين القدرة على الوصول إلى الأدوية
لم تتوقّف حملات التوعية من سرطان الثدي في سوريا. وتحت شعار "وعيك هو قوّتكِ" تُطلق حملات تثقيفية خلال ما يُسمّى "الشهر الوردي" أي تشرين الأول/أكتوبر، في عدد من المحافظات السورية، من أجل دعم السيدات ومشاركة المعلومات وإجراء الفحوصات تبعاً للعمر، ضمن 960 مركز صحّي تشتمل أيضاً على الخدمات النفسية ومتابعة المرضى بعد العمليات الجراحية. بحسب تقرير عام 2018 للوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، "احتلّت سوريا المركز الخامس من بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بأمراض السرطان قياساً بعدد السكان، وكان هناك 196 شخصاً مصاباً بالسرطان من بين كلّ 100 ألف سوري، و105 وفيات من بين كلّ 100 ألف". وعام 2020، وثّقت منظمة الصحة العالمية تشكيل الوفيات الناتجة عن سرطان الثدي 2.37% من مجمل الوفيات في البلاد.
وفي حين تنشط حملات التوعية وتتوفّر الفحوصات، يبقى الحصول على العلاج بالأدوية مشكلة حقيقية يعاني منها المرضى والأطباء في سوريا.
لميس، وهي امرأة أربعينية مصابة بسرطان الثدي من محافظة القامشلي، تخبرنا كيف تضطر إلى أن تقوم برحلة طويلة تصل إلى ست ساعات من أجل الوصول إلى العاصمة دمشق كلما حان موعد الجرعة، وتقول، "يؤكّد لي الطبيب بأن مستشفى البيروني، وهو أكبر مركز لعلاج السرطان في سوريا، يقدّم الخدمات والعلاج بشكل مجاني، لكن لا تتوفّر فيه الأدوية بسهولة وغالباً ما يتأخر الحصول عليها بسبب البيروقراطية في الإجراءات...".
أحياناً، ببساطة، لا يتوفّر الدواء أو تكون الأسعار باهظة تتحكم فيها السوق السوداء لدرجة لا يمكن أحداً ابتياعها، وحتى الأدوية التي تقدمها المنظمات قد تصل إلينا حين تشارف صلاحيتها على الانتهاء بسبب التأخيرات الناتجة عن الإجراءات الروتينية، فتتحمّل الأرامل والأمهات العازبات أو الوحيدات أو المقيمات خارج العاصمة الكلفة الأكبر والأصعب.
"بعتُ منزلي من أجل تأمين ثمن بعض جرعات العلاج الذي يصل إلى عشرة ملايين في ظل الانخفاض الهائل للعملة السورية، إذ تُحتسب الأسعار بحسب الدولار...هذا عدا المشكلات التي أعاني منها في البحث عن أماكن لأودع أطفالي فيها فيما أتلقى العلاج..."، كما تروي لميس.