تخيّل أنك تعيش مع قاتل في غرفة واحد، تأكلان معاً، تتناقشان، تعانيان، تشربان الويسكي أو القهوة وأحياناً الدم... تخيل أن قاتلك أقوى من القانون وأقوى من المحاسبة، وطبعاً أقوى منك بكثير، لا بل يملك قبائل وأجهزة تدعمه وتجعل إجرامه مبرّراً وعادياً... وتحوّلك فوراً إلى متّهم، لا بل إلى مذنب وجلاد.
أما أسباب قتلك ومسوغاته فكثيرة جداً، وأيضاً تخضع لمنظومة الشرعية والتبرير. يمكن أن تقتل مثلاً بسبب رأيك أو ميولك الجنسية أو لأنكِ امرأة ببساطة، وتتوسع دائرة الجريمة كثيراً، لتتعدى التصفية الجسدية، وتتحول إلى تصفية وجودية لجميع الذين مثلك، بغية اقتلاعهم ومحوهم من الكوكب نهائياً.
نعيش منذ أيام فورة من الرفض التي تتحول إلى أفعال إقصائية، تتنوع بين القتل الجسدي والقمع والتنمر والمنع، كأن يقرر أحدهم أن يمنع المثلية! وكأنه اكتشف لتوه أن هناك مثليين ومثليات وعليه أن يفعل شيئاً إزاء ذلك، كأن يخصيهم أو يسحلهم أو يضرم النار في حاناتهم ويمنع حفلاتهم، لحماية المجتمع من "شرورهم".
يقول جون ستيوارت ميل "السبب الوحيد الذي يجعل الإنسانية أو -جزءاً منها- تتدخل في حرية أو تصرف أحد أعضائها هو حماية النفس فقط"، وهو قول يصح على جميع الفئات التي إذا شعرت بأنها مهددة، تتجه مباشرة إلى محاولة انتهاك حرياتنا كأفراد وجماعات.
أيام قليلة قتلت خلالها 3 نساء، كل واحدة في دولة عربية مختلفة، وفضحت أخريات قصص تحرش واغتصاب موجعة واجهنها في محاولة للنجاة من تبعاتها. وأيضاً شُنت حملة شعواء على المثليين والمثليات في لبنان بقيادة رجال دين، وكأننا لم نسمع يومياً بالمثلية الجنسية داخل المؤسسات الدينية نفسها، ناهيك عن الاعتداءات على أطفال ونساء في شهادات كثيرة نشرت في وسائل الإعلام.
لكن المرحلة الراهنة يبدو أنها تتطلب بعض التجييش الطائفي والمذهبي، ولا مانع في أن يكون المثليون ضحاياه... لا أسهل من الاعتداء على فئات مستضعفة أصلاً و"مكروهة" كالمثليين، أو الدعوة إلى طردهم من المطاعم والمقاهي، إنها معركة رابحة طبعاً.
يقول جون ستيوارت ميل "السبب الوحيد الذي يجعل الإنسانية أو -جزءاً منها- تتدخل في حرية أو تصرف أحد أعضائها هو حماية النفس فقط"، وهو قول يصح على جميع الفئات التي إذا شعرت بأنها مهددة، تتجه مباشرة إلى محاولة انتهاك حرياتنا كأفراد وجماعات.
المحصلة المباشرة لحفلة الجنون والإجرام هذه، تؤكد أننا نعيش مع قتلة، وأننا مهددون ومهددات بسبب جنسنا أو ديننا أو ميولنا أو رأينا أو خياراتنا الخاصة، في هزيمة مدوية للحريات الشخصية والفردانية، وللمعاهدات التي تنص على ذلك كله، إذ يسهل تجاوزها وانتهاكها، انتصاراً لرواية القاتل.
الكثير من العنف في أسبوع واحد، سمر ونيرة وإيمان ولبنى وشيماء وأخريات قُتلن، وكثيرون تعرضوا للتنمر والاضطهاد بسبب ميولهم، فيما كان الحزن والغضب يفوحان من منشورات فاطمة وأخريات تحدّثن عن رجال اعتدوا على مساحاتهن الخاصة عبر التحرش والاغتصاب.
وفيما لا نملك حقاً عاماً أو قضاء يستنفر بسرعة إزاء أخبار من هذا النوع، ليس أمام الناجيات سوى وسائل التواصل الاجتماعي للتنفيس والتعبير عن ما واجهنه، لعلّ المعتدي يحصل على عقاب اجتماعي يستحقه أو لعلّ أخريات يحترسن منه، في محاولة لتخفيف عدد ضحاياه، ولتخفيف كم الحزن الذي يحاصرنا داخل هذه الغرفة المغلقة، حيث نعيش أيامنا... بصحبة قتلة.