رجال نسويّون؟

من حسن الحظ أن هناك مجموعات من الرجال لا تُصدر أحكامها من عل، ولا تتدخل في الجدليات النسوية، إنما تطرح تساؤلاتها حول مفهوم الذكورة وتتأمل بالصور النمطية والتبجح الذكوري على طريقتها الخاصة وبشكل مستقل.

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

بقلم ايريتيكا

هناك زمن اعتدنا أن نقول فيه: "هم رفاق داخل الحزب، لكنهم فاشيون في السرير". نتحدّث هنا عن رجال من اليسار السياسي يُظهرون حساسية تجاه قضايا النساء، لكنهم في حياتهم الخاصة يتصرفون كذكور متعجرفين يتبجحون بتفوّقهم. ترتب على ذلك تشكّل صورة مميزة لرجال يعتقدون أن التعبير عن معرفة بالمسائل النسوية يمكن أن يساعدهم في الوصول إلى وضع اجتماعي أفضل.

في أفضل الحالات، يكون هؤلاء الرجال من اليسار، يمارسون الادعاء الذكوري بأنهم يعرفون كل شيء، وقد يتبدى حتّى أنهم من النوع الذي يميل إلى الهيمنة الأبوية بشكلها الفعلي والمباشر. في الواقع، ليس من النادر أن تؤدي الجدليات النسوية إلى كشف التناقضات التي تكون مؤلمة في بعض الأحيان. والمثال الأبرز على ذلك تدخّل بعض الرجال الذين يدافعون عن مجموعات وقضايا معيّنة ومحاولاتهم تعليم النسوية للنسويات.

في بعض الأحيان تراهم يساهمون في حملات ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، لا لشيء سوى لإرضاء حب الذات، ولا يخفون تطلعاتهم إلى إنقاذ تلك "المسكينة" التي عانت من جراء ذلك. يبدو الأمر جليّاً حين يتم اختيار لاعب كرة قدم لكي يرتدي قميصاً يحمل شعاراً معادياً للعنف ضد النساء، أو عندما يتبجح ممثلو الحكومة بأنهم قد أدخلوا بعض النساء في صفوفهم ليظهروا أنه قد تم التوصل إلى تحقيق المساواة بالفعل. 

على مدى السنوات التي انخرطتُ فيها بالنضال النسوي، التقيت بكثير من الرجال من هذا النوع، وعلى الأخص أولئك الذي يعلّقون على حالة من حالات قتل النساء يسمعون بها فيعلنون أن "الرجال ليسوا جميعهم كذلك". فلنشكر الرب أن الرجال ليسوا كلهم وحوشاً، لكن هل من الضروري تأكيد الأمر؟ وقول ذلك يعني النظر إلى النضال النسوي ضد العنف الموجه ضد النساء على أنه حالة من توجيه الاتهام إلى جميع الرجال.  

من حسن الحظ أن هناك مجموعة من الذكور لا تصدر أحكامها من عل، ولا تتدخل في الجدليات النسوية لكنها تطرح تساؤلات حول مفهوم الذكورة، كما أنها تتأمل بالصور النمطية المتعلقة بالجندر وبالتبجح الذكوري بشكل مستقل تماماً. في إيطاليا، الجهة التي تحقق ذلك هي جمعية "المذكّر بصيغة الجمع" "Maschile plurale" التي فتخت مكاتب عدة وتصدر منشورات وتفكك ممارسات كثيرة.

نشاطات هذه الجمعية تستحق الاهتمام بالفعل، وأعضاؤها حلفاء لنا، وفي الوقت نفسه، هم يدعمون مبادرات مثل تأسيس المراكز التي تقدم خدمات تتوجه إلى الرجال العنيفين. والتحليلات التي يقوم بها أعضاء هذه الجمعية تندرج ضمن المجالات المرتبطة بالمصالح النسوية. فهم لا يخشون من تسمية العنف الذكوري ويتساءلون عن الوسائل لتجنبه في العلاقات. كما أن تحليلهم يطال السلوكيات الجنسية والتصرفات والأدوار المفروضة على الرجال الذين ما زال عليهم أن يناضلوا ضد أولئك الذين يصفونهم بالخونة، أو الذين يعيبون عليهم كونهم  "منشقين عن النظام الأبوي"، بحسب التسمية التي أطلقها عليهم أحد هؤلاء في مدوّنته.

في مدونة الحركة النسوية في الجنوب، والتي أسستُها قبل مدونتي الحالية  "أنا أهدم الجدران"، استضفت نسويات من الموجة الثالثة وبعض الرجال الذي يصفون الانشقاق عن النظام الأبوي المهيمن على أنه نشاط ضروري. وأنا أعني بالنظام الأبوي المهيمن مجمل الأعباء الثقافية التي يبدو من المستحيل الهروب منها. ففعل الانشقاق يتضمن إمكانية الخضوع لممارسات التخويف التي تتأتى من التبجح الذكوري الذي يمارسه المراهقون، وتقوم به عصابات من المغتصبين الذين لا يرغب "المنشقون" لا بالتعامل معهم، ولا بمشاركتهم في أي شيء كان.

أثناء صياغتنا لهذه الأفكار، اكتشفنا أن هذا النمط بالرجال هو تماماً ما تستهدفه حركات الـ MRA، وهي حركات الدفاع عن حقوق الرجال أو الحركات ذات الطابع الذكوري التي قامت في عدة منتديات بصياغة نظريات حول مخاطر إضفاء الطابع النسوي على القضايا المجتمعية، بمعنى آخر، مخاطر اختفاء الذكورية.

هؤلاء الأشخاص الذين تمثل رأس الحربة في معركتهم حركة Incels التي تتألف من معادين شرسين للنسوية، و"عازبين رغماً عنهم"، ويالذين يعتبرون الاغتصاب نوعاً من التعويض عن الامتناع الجنسي الذي تفرضه  النساء عليهم (!)، هؤلاء الأشخاص لا يجدون فقط بأن الذكورية هي نموذج يجب التحكم به من أجل تأمين العودة إلى سلطة رب العائلة، وإنما يقفون أيضاً ضد أي اقتراحات في مجال التعليم حول الجندر والتربية الجنسية في المدارس، ويفرضون بدلاً منها تعليم احترام الرضوخ والأدوار التقليدية.  

من البديهي أنهم سيقفون في وجه أي مقاربة ما بعد جندرية، أي في وجه الكويرية ومجتمع الميم لأنهم يتخيلون أن هناك مؤامرة تحاك ضدهم من أجل تحويل الرجال إلى نساء. يمارسون تأثيراً ضمن النقاشات، وعلى الأخص في وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال مهاجمة الأشخاص الذين لا يتفقون معهم بالرأي. ومن أكثر الناس الذين وقعوا ضحية هجومهم هم رجال منشقون، كلورنزو غاسباريني، الباحث في مجال علم الجمال وعضو حركة "المذكر بصيغة الجمع".

كتب غاسباريني Perché il femminismo serve anche agli uomini، أي "لماذا تخدم النسوية الرجال أيضاً". لم يكتفِ المؤلف الكتاب بالعناية بذكر الميزات الذكورية ورواية كيف تعطي هذه الميزات للرجال الوهم بوجود حرية مزعومة، وإنما يشرح  فيه أيضاً كم من الصعب تطوير هوية ذكورية مختلفة تخلو من العنف. وهكذا نجده يروي كيف أن النسوية مفيدة أيضاً للرجال. هذا المفهوم يبدو لنا أكثر إلفة لأننا حين نحلل الصور النمطية المتعلقة بالجندر نكتشف أن التربية المقدمة للصبيان هي تربية دموية ترمي لتأهيل جنود المستقبل المدافعين عن النظام الأبوي المسيطر. وعندها، يصبح الانشقاق أمراً إلزامياً بقدر ما هو خيار.

الطفل الذي يقال له ألا يبكي، وألا يتصرف مثل فتاة دلوعة، وألا يقترب من الدمى ولا يلعب سوى بالروبوتات، وأن يتصرف كرجل في حين أنه لا يعرف حتى ما يعنيه ذلك، هذا الطفل سرعان ما يجد أنه قد غرست لديه ذهنية تبججية ذكورية تعطيه ميزة ألا يخاف من أن يتم اغتصابه في الشارع، وألا يكون مضطراً إلى حماية مؤخرته في الظلمة، وألا تكون لديه مخاوف من تلقي ضربات من الشريك. مع ذلك يظل من الصعب عليه أن يتقبل أنه كان ضحية عنف من قبل رجل أو رجال، وأنه قد تعرض لسوء معاملة من الشريك. ذلك أن هؤلاء الرجال الذين تربوا بهذه الطريقة يخجلون من تقبل فكرة أنهم غير محصنين ويمكن أذيتهم، وفكرة أنهم قابلون للتقويم، وأنهم في نهاية الأمر مجرد كائنات بشرية. إن كانت النسوية لا تساعد هؤلاء، فمن يستطيع أن يفعل ذلك؟

أحلم بيوم يستطيع فيه الرجال الذين لا يريدون السير على خطى آبائهم وأجدادهم أن يتسنى لهم فعل ذلك دون أن يشعروا بأي شكل من أشكال الخجل. أحلم بيوم يستطيع فيه جميع الرجال أن يعلنوا عن أنفسهم نسويين دون أن يضطروا للخضوع لتداعيات سلبية من جراء ذلك. وعندها سنستقبلهم بذراعَين مفتوحَين.

لقراءة المقال الأصلي باللغة الإيطالية ، النقر هنا.

Exit mobile version