عودة إلى سبت العار، يوم انتُهكت أجساد الصحافيات التونسيات

شتائم لها طابع جنسي ولمس للمناطق الحساسة... انتهاكات تعرّضت لها صحافيات تونسيات كنّ يغطّين مسيرة السابع والعشرين من شباط/فبراير 2021 التي نظمتها حركة النهضة الإسلامية، وهي جزء من استراتيجية ترمي إلى ترهيب الصحافيات تحديداً، وثنيهن عن العودة إلى الميدان.

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

يوم السبت 27 شباط/فبراير 2021، نُظّمت مسيرة تلاها تجمّع كبير دعت إليهما حركة النهضة الإسلامية في وسط مدينة تونس العاصمة. رئيس هذه الحركة، راشد غنوشي، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس نواب الشعب سعى من خلال تنظيم هذا الحدث آنذاك إلى الردّ على الهجمات الموجّهة إلى حزبه، والتي عبّرت فئات شعبية عنها خلال تظاهرات عدّة قادها شبان وشابات، لا سيما في الأحياء المحرومة، منذ بداية سنة 2021. ذلك أنه بعد عشر سنوات على انقضاء الثورة، لم يتم تحقيق أيّ من المطالب الاقتصادية والاجتماعية التي طُرحت. فجاءت الردود على شكل غضب شعبي متفاقم إزاء إدارة البلاد الكارثية والمنحازة لحركة راشد غنوشي الذي هيمن بكل ثقله على مفاصل الدولة طيلة السنوات العشر الماضية. وبهذه الطريقة نشر جيل من الشبان والشابات يشعر بالضياع ويعاني من البطالة والتهميش وخيبة الأمل شعاراته المعادية للنهضة على مدى أمسيات متتالية من دون أن يستطيع رجال الشرطة الذين تدخلوا بالقوة أن يقفوا في وجههم ويكبحوا جماح تحرّكهم.

حالات الضيق والعزلة...

حوادث خطيرة حصلت خلال التجمع الذي نُظّم إذاً في خضمّ الأزمة الصحية في البلاد، والذي سجّل تدفق الآلاف من أعضاء حركة النهضة ومن المتعاطفين/ات معها. فقد تم خلاله الاعتداء على 15 صحافية تعرّضت من بينهنّ 5 على الأقل لاعتداءات ذات طابع جنسي. هذه التجاوزات التي ربما تعدّ الأولى من نوعها في تونس حصلت بحضور رجال الشرطة ومسؤولي الحزب الإسلامي الذين لم يتدخلوا لوضع حد لها. والأنكى من ذلك أن رجال المليشيات التابعة للنهضة الذين تنكّروا في تلك المناسبة بزي رجال الأمن رفعوا تجاه الصحافيات اللواتي أتين لتغطية الحدث سلاحاً قذراً.

عاشت الصحافيات فترة من الضيق الشديد والعزلة الموجعة، بعد أن وقعن ضحية شتائم لها طابع جنسي وملامسات جنسية متكرّرة في الوقت الذي كان فيه رئيس الحزب يتوجه للجموع أمام وزارة السياحة في وسط مدينة تونس العاصمة.

كما كان متوقّعاً، أصدر الحزب في ما بعد بياناً أكّد فيه أن تلك الحوادث كانت "تجاوزات متفرّقة وفردية". إنه كذب رهيب. فالاعتداء قد انكشف بشكل واسع بعد أن طال مصوّرات ومراسلات للتلفزيون وللإذاعات الخاصة. بعض هؤلاء الصحافيات كانت لديهنّ الشجاعة لتقديم شهادات عما عشْنه في بعد ظهر يوم السابع والعشرين من شباط/فبراير. وقد قمن بذلك بوجوه مكشوفة على وسائل التواصل الاجتماعي.

كل شيء دلّ إلى أن ممارسة هذا العنف تمّت بأمرٍ، وبالتالي ما حدث كان شيئاً مخطّطاً له، ولا شك في أن هدفه كان ثني النساء الصحافيات عن العودة إلى الموقع وممارسة مهنتهن من خلال أحد أركانها الأساسية وهو الروبورتاج الصحافي الميداني. كما أن هدفه أيضاً كان قمع حرية التعبير التي كُرّست بفضل الثورة. ذلك أن أجساد النساء كانت دائماً أرض معركة وساحة لما يُسمّى بالشرف. وتلويثه -على الأخص في المجتمعات العربية والإسلامية- لا ينعكس على الفرد وحده، إنما أيضاً على جميع أفراد عائلته وقبيلته والجماعة التي ينتمي إليها. من جانب آخر، فإن التحدي الذي يكمن وراء حلم الانتصار كبير كان إخضاع وسائل الإعلام.

كلمتان مُهينتان

"إعلام العار". إعلام وعار كلمتان أُطلقتا في وجه الصحفايين/ات في يوم السبت الأسود هذا (نال الرجال أيضاً نصيبهم من الاعتداءات التي ارتكبها رجال أمن النهضة). و"إعلام العار" عبارة عن إهانة صارت تُطلق كثيراً بوجه وسائل الإعلام خلال السنوات العشر الماضية، وكانت استخدمتها من قبل المليشيات الإسلامية التي تتمثل برابطة حماية الثورة الشهيرة لشتم الصحافيين/ات التابعين للتلفزيون الرسمي في 2012 خلال اعتصامهم، وهو الاعتصام الذي نُفّذ بعد محاصرة التلفزيون الوطني في الثاني من آذار/مارس2012  ، وامتد بعدها حتى الخامس والعشرين من نيسان/ابريل. شهران من حملات الشتائم التي أُطلقت فوق رؤوس مراسلي/ات نشرات الأخبار والصحافيات المحترفات العاملات في التلفزيون بشكل خاص، بعد أن تم اتهامهنّ بتقبيل أحذية نظام بن علي القديم، وبأنهن يردن "من خلال صورهن السلبية والمنحازة تخريب عمل الحكومة التي تديرها الترويكا الحاكمة". وهكذا بعد شهرين من حملات الترهيب ومحاولات اختراق قاعات التحرير، طالب المعتصمون بـ.... بيع "تلفزيون العار"!

"إعلام العار"، كلمتان تفسران أشياء كثيرة عن إحباطات حزب لا يمتلك وسائل إعلام مخصّصة للتغني بمجده. وعلى الرغم من "وسائل إعلام الشرف"، وهما قناتان تلفزيونيتان أطلقهما حزب النهضة بشكل غير شرعي من أجل أن يستخدمهما هو بنفسه وينظّر من خلالهما لذاته عبر مرآته الخاصة، فإنه لم يستطع أن يعدّل الصورة التي خبت على مدى السنين، وعلى الأخص بسبب الإدارة الكارثية للدولة ولمؤسساتها المختلفة.

وصول النساء الصحافيات إلى مناصب الإدارة في وسائل الإعلام التونسية سواء أكانت عامة أو خاصة لا يتجاوز 11 ٪

المعتدون يفلتون من العقاب

كشف سبت العار عن رغبة دفينة بتقييد المهنة من خلال تخويف نصف من يشكّلون قوّتها. وقد أعلنت النقابة الوطنية للصحافيين/ات التونسيين (SNJT)  في مساء يوم السبت السابع والعشرين من شباط/فبراير 2021 قرارها باللجوء إلى القضاء من أجل محاسبة أعضاء اللجنة المنظّمة لمسيرة النهضة. واستندت النقابة في شكواها على الفصل 14 من المرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، والمؤرخ في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، والذي ينص على معاقبة  كل من "أهان صحافياً أو تعدّى عليه بالقول أو الإشارة أو الفعل أو التهديد حال مباشرته لعمله، بعقوبة الاعتداء على شبه موظف عمومي".

"مع ذلك فإن الرغبة في حماية الصحفيين التي يعبّر عنها القانون تظل أمراً نظرياً: فإن عدم وجود أية إجراءات ملموسة ترافق تطبيق الفصل 14 تجعله محروماً من أية فعالية. فخلال أحداث السابع والعشرين من شباط/فبراير قام منظمو التظاهرة بإعاقة عمل الصحافيين ومنعهم بشكل مقصود. وعلى الرغم من أن المعتدين قد خالفوا بشكل كامل الفصل 14 من المرسوم، فإنه لم تتم ملاحقة أي واحد منهم بعد"، وفق ما جاء في بيان لمنظمة "مراسلون بلا حدود". كذلك، أدان التحالف الدولي للصحافيين (FIJ)  الصمت المطبق لقادة الحزب الإسلامي.

بيان لمنظمة "مراسلون بلا حدود", 2022

وعلى الرغم من غلبة النساء في القطاع الإعلامي، وعلى الأخص ضمن العمل الميداني، فإن وصول النساء الصحافيات إلى مناصب الإدارة في وسائل الإعلام التونسية سواء أكانت عامة أو خاصة لا يتجاوز 11 ٪.

Exit mobile version