سناء بن عاشور: « الدولة التونسيّة تنصّلت من وعدِها إلغاء العنف ضد النساء »

أمام خطورة إخلال الدولة بوعودها في المحاربة العميقة للعنف ضد النساء، تتراجع في تونس الإنجازات المتصلة بقضايا المساواة في الحقوق. سناء بن عاشور، رئيسة جمعية "بيتي" التي تستقبل ضحايا العنف، تشرح كيف.

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

ألفة بلحسين: برأيكِ، هل تقوم الدولة التونسية بما يكفي من أجل حماية جميع النساء من العنف ومن الخطر المُحدق بهنّ؟

سناء بن عاشور: سيبدو رأيي قاسياً وغير عادل تجاه دولة تفوقت على بقية بلدان المنطقة بما قامت به من إنجازات، وما تعبّر عنه من توجّه نسوي. لكنني أرى أن الدولة تهربت اليوم من الالتزام بوعودها التي أرادت عبرها أن تستأصل العنف المبني على النوع الاجتماعي، هذا إن لم نقل أنها لم تعد تهتم بتلك المسألة على الإطلاق. وما زال القانون الأساسي ضد أنواع العنف التي تُمارس على النساء ينتظر حتى اليوم نصوصه التطبيقية التي ستحدّد الجهات متعددة القطاعات التي من شأنها أن تضطلع بمهام التنفيذ كالإخطار والتبليغ، والمساعدة القانونية، وتقديم العناية والمأوى، وصندوق التعويض. 

في تونس، مرسوم حكومي يحمل الرقم 582- 2020 يتناول إدارة مراكز الإحاطة والمرافقة تمّ اعتماده فعلياً في شهر آب/أغسطس 2020، لكنّه في الواقع ينظّم انسحاب الدولة من هذه المهمة والمسؤولية، ونقلها إلى الجمعيات عبر التلويح بحقوق جذّابة مثل "الحق في أولوية الحصول على التمويل العام"، وهو ما لم يفهم مضمونه أحد. هناك أيضاً صعوبة كبرى في تعميم أوامر الحماية على مجمل المحاكم المختصة، ولا تُحترم كما ينبعي الإجراءات المستعجلة. كذلك، صار يُقبل الاستنكاف الذي كان القانون حظّره حين جعل من العنف الزوجي شأناً عاماً. وبحجة حيادية القانون، ما زالت الأدلّة تُطلب، علماً أنّه من شبه المستحيل جمعها. وعندما تُقدّم الشكوى، حتى أثناء جلسات الاستماع، يُستهان بوضع المرأة كضحية وتُمنح الظروف المُخفّفة للمعتدي.

علاوة على ذلك، لم تُخصّص أي موازنة لقضية مكافحة العنف ضد النساء في توني. وفي المناطق الجهوية، صار الوضع لا يُحتمل إطلاقاً، إذ لم تُنشأ جميع الجهات التنسيقية التي تعالج حالات العنف الممارس على النساء. تفتقر هذه المناطق إلى الوسائل اللازمة ولا تمتلك بعد بروتوكولات محددة من أجل احتواء الحالات بشكل كامل. وكان يمكن أن يكون الوضع كارثياً جداً لولا تدخّل الجمعيات وبعض المبادرات التعاونية الحسنة، مثل تلك التي قام بها "مرصد مناهضة العنف" الذي ما زال هو نفسه يحتاج للدعم.

نشهد اليوم شكلاً من أشكال العودة إلى سياسة فرض هيمنة العائلة

بالإضافة إلى كل هذه النواقص، نضيف التراجع في مجال مسائل المساواة في الحقوق، لأننا نعمل أنه لا يمكن معالجة العنف من دون معالجة التفاوت بين الجنسين الذي خلقته المنظومة القانونية وأعادت إنتاجه. فجميع مشاريع القوانين حول المساواة في الميراث، وقانون الحريات الفردية، تم تعليقها، وأحيلت بجرة قلم إلى زمن غير معلوم. إلى ذلك، ما من نقاش ممكن حول قوانين الأحوال الشخصية التي صارت خلال سنواتها الستّين سلاحاً مجهراً بوجه النساء وعامل إنكار وخلاف وإعادة إنتاج لنموذج سلطة أبوية عفا عليها الزمن؛ مثل مسألة المهر، واعتبار الزوج "رب العائلة"، والوصاية، و"الأطفال اللقطاء"، دون أن نذكر القيمة الهزيلة للنفقة بعد الطلاق، ونفقة الإعاشة للأطفال القصر، وغيرها من أوجه التخلّف.      

أخيراً، يجب ألا ننسى قانون العقوبات التي تُعدّ بعض أحكامه القمعية -الموروثة من أزمنة غابرة- بمثابة إهانة حقيقية للكرامة: كالمادة230  التي تجرّم المثلية الجنسية وتضفي الشرعية على ممارسات الفحوص الجسدية التي تقترب من التعذيب، والتعامل القاسي وغير الإنساني، والتعامل مع الدعارة على أنها جرم تقترفه امرأة، وإنزال عقوبات الحرمان من الحرية على جنح بسيطة مثل الزنا والتسوّل.

بناء على ما سبق، يمكن القول إننا ما زلنا بعيدين جداً عما تتطلّبه سياسة عامة ترمي إلى استئصال العنف تجاه النساء تكون جديرة بالاحترام والتنفيذ. ومع مشروع "الوسيط العائلي" اليوم، نشهد شكلاً من أشكال العودة إلى سياسة فرض هيمنة العائلة.

Exit mobile version