عن زخارف "التضامن" و"التمثيل" الفئوي: هل من مهرب من التركيبة الرأسمالية؟

سألتُ ساشا عن رأيها بالنسويات اللواتي يزعمن أنّ النساء العابرات هنّ في نهاية المطاف رجالٌ يُدخلون خلسة أيديولوجيّات السلطة الأبوية إلى المساحات النسوية. فما كان بها إلا أن صدّت هذه المزاعم وذكّرت بعدم وجوب حصر النساء بأعضائهن التناسلية فقط، وسألَت: "من أنا أصلاً لأمثّل شخصاً آخر، سواء أكانت نسوية أو امرأة عابرة، ومن الآخر ليمثّلني؟"

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: English (الإنجليزية)

هذه المقالة مستوحاة من حديث للكاتبة كالين نصرالله مع ساشا إيليا، امرأة عابرة مُقيمة في لبنان، حول العلاقة بين النسويات والنساء العابرات.

"أخجل عندما أقول إنّ الحركة النسوية والناس عموماً لا يتبنّون مبدأ "الثورة هي في خدمة كل شيء حيّ". أظنّ أني سأمضي حياتي وأنا أحاول تصحيح هذا الخلل". – لولا ألوفيمي، من كتاب Experiments in Imagining Otherwise

في عالمٍ مثالي، كان يمكن للنسوية أن تكون مرادفاً للتضامن في أبهى حلله. وبما أن التضامن لا يتجلى بشكلٍ واحد وحسب، بالنظر إلى السياقات القمعيّة المختلفة (ليس فقط في أنحاء العالم كافة، ولكن حتى ضمن العوالم المصغّرة في المجتمع الواحد)، كذلك لا يمكن للنسوية أن تتخذ شكلاً واحداً فقط. من هنا، يصح القول إن النسوية بطبيعتها متقلبة وقابلة للتغيير، بيد أنّ ركائزها تبقى دائماً، أو بالأحرى لا بدّ أن تبقى، ثابتة في مسعاها لتحقيق المساواة والعدالة.

الواقع هو أن النسوية لم ترقَ إلى مستوى التطلّعات التي قامت لأجلها. ويتبين ذلك من خلال جميع أشكال النسوية غير التقاطعية. لنأخذ مثلاً النسوية الإقصائية غير التقاطعية: قد يتعارض هذا المصطلح مع مبدأ النسوية القائم على المساواة، بما أن المساواة لا تحتمل الإقصاء، غير أن كثراً ينادون بالنسوية بشكلها الإقصائي هذا، لا سيما النسويات اللواتي لا يترك "نظام الغربلة" لديهن (اقتباس مباشر من حديث قيّم للغاية مع ساشا إيليا) أي مجال للتضامن.

تؤكّد ساشا قائلةً: "تتعرّض النساء العابرات إلى الإقصاء من قبل النسويات الراديكاليات، علماً أن ما يمثله كل شخص يعتمد بالدرجة الأولى على السياق الذي يعيش فيه وعلى بيئته. وقد أتفهم كيف أن النسويات الراديكاليات، وغيرهن أيضاً، يمكن أن يتّفقن مع هذه النسوية الإقصائية. لذا، لا يدافعن عن النساء العابرات أو يساندنهن. ولكن، لن أجد في ذلك ما يمثلني لأن لا مكان لي في هذه التركيبة النسوية. حتى أنه لا يمكن لي تجاوز نظام الغربلة ذاك والعوائق الكثيرة التي شُيّدت أمام تضامن النسويات".

هل يعد هذا تضامناً أصلاً إذا امتثل لشروط جهة على حساب أخرى؟

من المزعج أن نرى العمل النسوي يأتي بنتائج عكسية على النسويات أنفسهنّ، فلا يلتفتن إلى المجتمعات المهمّشة في حين أن الصراع النسوي يتمحور في جوهره حول مبدأ المساواة بين كل الناس. سألتُ ساشا عن رأيها بالنسويات الراديكاليات اللواتي يزعمن أن النساء العابرات هن في نهاية المطاف رجال يُدخلون خلسة أيديولوجيّات السلطة الأبوية وممارساتها إلى المساحات النسوية. فما كان بها إلا أن صدّت هذه المزاعم على الفور وذكّرت بعدم وجوب حصر النساء بأعضائهن التناسلية فقط.

"النساء هن أكثر بكثير من مجرد جهاز تناسلي. واختزال النساء ببعدٍ واحد بهذه الطريقة يُعد إشكالية فعلية. إن الخوف من تسلّل الإيديولوجيا الأبوية إلى المجتمع النسوي قائمٌ حقاً وقد يكون نابعاً من مشاعر ضمنية لدى بعض النسويات. بمعنى آخر، يكون هذا انعكاساً لما يراه المرء ولأفكاره الداخلية. ففي داخل كل واحد منا ابتذال ضمني للنساء، حتى تجاه أنفسنا. فالسلطة الأبوية متأصلة في أذهاننا وفي طريقة تربيتنا. إنّ هذه المسائل لا تتغير بين ليلة وضحاها."

يقودني ذلك مباشرةً إلى التفكير في مفهوم النمو، والنظر إلى التطوّر كمبدأ ثابت. فمن المهم بمكانٍ ما تبديل وجهات النظر للتشجيع على النمو. هل تناسينا في لحظة ما أننا جميعاً بشر بغض النظر عن كل المسمّيات التي نطلقها على أنفسنا والآخرين؟

"الغرض من التقاطعية هو بطبيعة الحال عدم إسقاط تعريف واحد أو نسخة واحدة للنسوية لتنطبق على الجميع"

تتحمّل النساء العابرات العبء الأكبر بفعل مواجهة الأحكام المسبقة من مختلف الجهات، فضلاً عن تعرّضهن للإقصاء من قِبل السلطة الأبوية والنسويات على حدٍ سواء. ليس مفاجئاً أنّ النساء "غير البيض" العابرات كنّ أول من تحدّى هذا النظام.

في الآونة الأخيرة، أمسى مفهوم النسوية على المستوى العالمي نوعاً من يوتوبيا وهمية لا تُطبّق قيَمها بشكل متساوٍ على كل النساء وكل الأعراق والطبقات الاجتماعية. من هنا، لا بد من طرح السؤال التالي: حتى عند تعزيز "المساواة"، هل يُحتّم على النساء "النجاح" بالمعنى الرأسمالي للكلمة؟ وفي هذه الحالة، ألا يعيدنا ذلك إلى أصل المشكلة نفسها، علماً أن السلطة الأبوية والرأسمالية وسيادة البيض كلها وجوه لعملة واحدة؟

من الصعب الحديث عن هذه المواضيع الحساسة. ورغم استخدام كلمة مقتضبة مثل "النسوية"، يظلّ من الممكن التطرّق إلى مفهوم النسوية من زوايا عدّة مختلفة والوقوف عند نقاط تقاطع متعددة. لذا من المستحيل الوصول إلى تعريف واحد – وهل يجب أن يكون هناك تعريف محدّد للنسوية أصلاً؟ الغرض من التقاطعيّة هو بطبيعة الحال عدم إسقاط تعريف واحد أو نسخة واحدة للنسوية لتنطبق على الجميع.

بما أنّ كل شخص يعيش في سياق مختلف عن الآخر، لم تنجح المساعي الخيّرة بالتوصّل إلى تمثيل نسوي شامل. تسأل ساشا: "من أنا لأمثّل شخصًا آخر، سواء أكانت نسوية أو امرأة عابرة، ومن الآخر ليمثّلني؟ وكأنه يُفترض بنا تمثيل هذا أو ذاك والتصرّف على قدر التوقعات. يُحتّم علينا جميعاً أن نبذل جهداً في هذا الإطار، ولكن يكفي أن نزيل عنا طبقة خارجية رقيقة ليتبيّن أننا جميعاً نعاني في مكان ما. الناس لا يمثّلون سوى أنفسهم، وضمائرهم، وآرائهم الخاصة، وما يؤمنون به، وطبيعتهم البشرية الخالصة. إنّ تجميع الناس وتصنيفهم تحت مظلة واحدة لَدليل على "تشريح" المسألة... ولكن ما الفائدة من ذلك؟"

هل يجب أن يعيش المرء معاناةً كبيرة كي يستحق الاحترام والرعاية؟ إذا كانت هذه هي الشروط، فكيف يسعنا إعادة كتابتها؟ ومن أين نبدأ؟

التمثيل النسوي ليس شرطاً للعمل معاً والتضمان من أجل بناء اقتصادات نسوية. فالناس ليسوا متشابهين، وما بالك لو أضفنا عوامل أخرى مثل الطبقة الاجتماعية والعرق وفوارق الامتيازات؟ عندئذٍ، سيصبح من الأصعب والأشد تعقيداً تمثيل الآخرين والتكّلم باسمهم.

خلال حديثنا عن مسألة التمثيل، تساءلت ساشا ما إذا كان الرفع من شأن الشخص وتحويله إلى أيقونة أو أسطورة يستحق كل الضرر الذي يلحق به. وتقول: "بالنظر إلى سوزي مثلاً (عابرة عانت كثيراً وتوفيت منذ فترة وجيزة). هل كانت حقّاً تمثّل [مجتمع العبور في لبنان]، أم أنها كانت شهيدة؟ وأقصد هنا، كيف تم تصويرها وإذلالها في الشوارع، وكيف جُرت إلى مراكز الشرطة طوال حياتها.

إذا كان التمثيل يعني تسليط الضوء على شخص وتجريده/ها من كل شيء، فلا أحد سيرغب بذلك."

تردف ساشا قائلةً، "فكرة اكتساب شيء ما عن "جدارة" أو "استحقاق" متجذّرة في مفهوم الرأسمالية، مثل التسليم لفكرة أنه لا يمكن لأحد أن يصبح أيقونة من دون أن يعاني الأمرّين. ولكن بأي ثمن؟" وهل يجب أن يعيش المرء معاناة كبيرة كي يستحق الاحترام والرعاية؟ إذا كانت هذه هي الشروط، فكيف يسعنا إعادة كتابتها؟ ومن أين نبدأ؟

Exit mobile version