آلاف النازحين جنوباً... "أين نذهب الآن؟"

حوالى 29 ألف شخص نزحوا داخلياً في جنوب لبنان وأماكن أخرى منذ أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، مع تصاعد العنف والعمليات الحربية على الحدود اللبنانية. وكما تدفع النساء والأطفال في غزّة الثمن الأعلى بسبب الحرب المستمرة على القطاع، فإن هذا الواقع ينسحب أيضاً على الساحة اللبنانية في ظل عدم توفر مراكز إيواء وملاجئ مجهّزة كافية لهذه الأعداد المتزايدة من النازحين، إضافة إلى الصعوبات التي تفرضها الأزمة الاقتصادية الحالكة منذ أواخر عام 2019.

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

تركت ميرنا، 45 سنة، قريتها في رميش جنوب لبنان، والتي تشهد توتّرات متكررة بين حزب الله وإسرائيل، منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر. "تعبنا والله تعبنا، ما صدّقنا حرب تموز خلصت، ما قادرين نتحمّل"، تقول في اتصال مع "ميدفيمينسوية" بعد انتقالها إلى قرية نائية في شمال لبنان، هي قرية إهدن.

زوج ميرنا بقي في رميش في منزل العائلة، "ما فينا نترك بيتنا". تقول وهي أم لثلاثة أولاد، "لا مدارس ولا حياة، وما عارفين شو رح يصير فينا، شغلنا وقف، وقاعدين ناطرين شو بدو يصير فينا ونحنا ما إلنا علاقة بهالقصة كلها".

حوالى 29 ألف شخص نزحوا داخلياً في جنوب لبنان وأماكن أخرى منذ أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، مع تصاعد العنف على الحدود اللبنانية في أعقاب اندلاع الحرب على غزة، وفق ما أفادت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، في آخر أرقام نشرتها. وهو عدد مرشح للارتفاع مع اشتداد حدّة المعارك الحدودية، واشتدادها أيضاً في غزة.

وكما تدفع النساء والأطفال في غزة الثمن الأعلى بسبب الصراع المستمر، فإن هذا الواقع ينسحب أيضاً على الساحة اللبنانية في ظل عدم توفر مراكز إيواء وملاجئ مجهّزة كافية لهذه الأعداد المتزايدة من النازحين، إضافة إلى الصعوبات التي تفرضها الأزمة الاقتصادية الحالكة منذ أواخر عام 2019 والتي زادت من معاناة الفئات المهمشة، لا سيما النساء والأطفال والفئات المهمّشة، إذ لا يملك الجميع رفاهية استئجار مسكن في منطقة آمنة.

"ابني البكر يعاني من نوبات الهلع منذ وفاة والده، وكان بدأ يتحسّن في الفترة الأخيرة، لكن ما حصل أن وضعه تفاقم سوءاً بسبب الأجواء المتوترة، ولم يعد يتحدّث سوى عن الموت"

زينب، وهي من سكان قرية مارون الراس الحدودية، فقدت زوجها قبل سنوات قليلة، وهي اليوم وحيدة مع أطفالها الخمسة تواجه المعارك المتجددة على مقربة من بيتها. تقول لـ"ميدفيمينسوية"، "في البداية فكّرت بالذهاب إلى بيت أهلي في البقاع، لكنني تراجعت، فليس أمراً سهلاً أن أحمل 5 أطفال إلى بيت العائلة. حاولتُ الصمود في بيتي في الجنوب، لكن الأمر لم يكن يُحتمل، أولادي عاشوا في الرعب بسبب القصف والغارات التي أصبحت يومية في المنطقة. لأجل ذلك اضطررت إلى الذهاب إلى بيت أهلي لأنني لا أملك ملجأ أو مكاناً آخر". ثم تستدرك: "لكن طبعاً وضعي يبقى أفضل من عائلات أخرى ربما لا تملك أي ملجأ في منطقة آمنة لحماية الأطفال". وتتابع، "ابني البكر يعاني من نوبات الهلع منذ وفاة والده، وكان بدأ يتحسّن في الفترة الأخيرة، لكن ما حصل أن وضعه تفاقم سوءاً بسبب الأجواء المتوترة، ولم يعد يتحدّث سوى عن الموت".

في غياب مراكز الإيواء والمساعدات الكافية وارتفاع عدد النازحين، تحوّلت مدارس مدينة صور إلى مراكز للإيواء وباتت ملجأ للآلاف من الفارين من القرى الحدودية التي لم تعد آمنة، لكن هذه المراكز تبقى غير كافية، لا سيما في حال تطوّر الصراع. في المقابل، ما زال التعليم معلّقاً في مدارس الجنوب إلى أجل غير مسمّى، وهذه المدارس التي تم تحويلها إلى مراكز إيواء هي في الواقع غير مجهزة لاستقبال هذه الأعداد من النازحين وتأمين حاجاتهم في النوم والأكل والشراب وغير ذلك.

"لا مدارس ولا حياة، وما عارفين شو رح يصير فينا، شغلنا وقف، وقاعدين ناطرين شو بدو يصير فينا"

في هذا السياق، قال الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد الخير في حديث صحافي، "نعمل كخلية نحل كي نكون متأهبين لأي حرب قد تندلع في لبنان، بالتوازي مع الحرب القائمة في فلسطين". وأوضح الخير أن" التنسيق مع مجلس الجنوب لدعم مراكز إيواء النازحين في المناطق الحدودية قائم على مدار الساعة، بهدف مساعدة كل المراكز".

إلا أن الواقع الذي يصفه الأفراد النازحون يؤكّد خلاف ذلك ويعكس ضعف آليات الإغاثة، وإمكانية تحوّل الوضع إلى كارثة في حال تطورت الاشتباكات على الحدود الجنوبية نحو حرب أوسع. فالمستشفيات مثلاً كانت أعلنت أنها لا يمكن أن تصمد أكثر من 72 ساعة، ومدارس صور لا تكفي لإيواء الجميع، لا سيما على أبواب الشتاء وموسم البرد.

Exit mobile version