مَن يخاف الصحافية الفرنسية مورغان لارج؟

مورغان لارج، صحافية مُراسلة من منطقة "برطانية" الفرنسية، تعمل في راديو Kreiz Breizh (إقليم كوت درمور)، حيث تعالج في برنامجها اليومي الرائد مواضيع بيئية مختلفة، إلا أنّ تحقيقاتها الصحافية -لا سيما تلك المتعلقة بالنظام الإنتاجي – جعلها عرضةً للعنف والتهديد. المزيد حول حياتها وسيرتها المهنيّة المُلهمة، في هذه المقابلة.

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

بقلم دومينيك فرومانتان، صحافية فرنسية

قبل 51 عاماً، وُلدت مورغان لارج في إقليم موريبهان في عائلة مؤلفة من ستة أطفال. كانت والدتها مانوش تعمل كبائعة في الأسواق وتمتاز بحس تجاري حاد، أما والدها فكان ميكانيكيًا يتمتع بمهارات يدوية بالفطرة.

في السبعينيات، انتقل أهلها إلى مزرعة في موريبهان للعمل في إنتاج الحليب، رغبةً منهم في العيش وأطفالهم بوئام مع الطبيعة. تقول مورغان: "كانت أمي ترعى الأبقار وتحضّر الحليب والزبدة، وكان أبي يهتم عن كثب بالماكينات الزراعية". وسرعان ما انتشر شكل جديد من أشكال الزراعة ومعه ترسانة من المنتجات الكيميائية. وتضيف مورغان قائلة: "كانت أمي حذرة للغاية، إذ كانوا يعطونها منتجات لوضعها على الأبقار حتى لا ينثقب جلدها في المسلخ. ولكن أمي كانت ترفض خشية من أن تنتقل هذه المواد إلى الحليب".

تصف مورغان طفولتها بالمثالية وتقول: "كان لدي إخوة وأخوات ألعب معهم وكنا نتمتع بالحرية الكاملة. كان النهر يجري على امتداد الحقل... لم نعِش حياة الراحة والرفاهية، إذ كنا نحن الستة ننام في الغرفة نفسها. عرفنا كيف نقود الجرارات ونحلب الأبقار ونتهرب من المهام أو لا نجيب كي لا يُطلَب منا المشاركة. في الشتاء، كنا وحدنا، أما في الصيف فكان جميع أطفال العائلات أصدقائنا يأتون وكنا ننام جميعنا في مخازن الحبوب..."

كيف أثرت حياة والديك في مسيرتك؟ 

"تعرّض والدي لحادث خطير في المزرعة وبقي لفترة طويلة في المستشفى، لذا كان على والدتي تولي زمام الأمور كلها. كان أخي الأكبر يبلغ 16 عامًا حينها واضطر إلى التغيب عن المدرسة ثلاثة أشهر لمساعدتها. لم تتوقف المصارف عن مضايقتهما، فاضطرا إلى بيع الأبقار. نصحوهما بالتوجه إلى التربية الصناعية للماشية والحيوانات التي لا حاجة لإبقائها خارجًا. ولكنهما لم يريدا أبداً ذلك، فقد فهما أن هذا يعني نهاية الفلاحين..."

في عمر الـ 15 عاماً، عندما كانت مورغان طالبة في المدرسة، بدأت العمل في المواسم الزراعية ورعاية الأطفال والعمل في مصنع بسكويت. بعد إنهاء دراساتها العامة إلتحقت بكلية الفلسفة. تخبرنا مورغان عن تلك الفترة قائلة: "أدركت أمراً لم أصادفه من قبل، هو الطبقة البورجوازية المثقفة. اعتدت على أن يتعامل معي الكبار من باب المساواة، أما هناك فلم أجد مكاني بينهم". في سن 22، قررَت الانسحاب والتسجيل في كلية التعليم الشعبي. "وجدت ذلك رائعاً! شاركت بالعديد من المعسكرات وتجولت مع الأطفال وأحببت أن أجعلهم في موقف يستدعي منهم التصرف".

الدخول إلى عالم الصحافة

عملت مورغان أيضاً كمرشدة بيئية في محمية طبيعية، وكانت تحمل معها ابنها على ظهرها. وفي الفترة نفسها، عُرض عليها وظيفة مؤقتة في الصيف كمراسلة صحفية لجريدة أسبوعية تدعى "لو بوهيه" (Le Poher). "كان عليّ القيام بكل شيء، والأسوأ من ذلك كان التنقّل بين كانتونَين مختلفّين، والذهاب إلى هناك لالتقاط الصور. كانت الرواتب متدنية للغاية، وما كنت لأترك ابني مع أحد ليرعاه، لذلك كنت أصطحبه معي أيضًا. عندها أدركت أنني غير مرئية. كنت أضع ابني عند قدمَي، والتقطت الصورة وأسمعهم يقولون: "أين مراسلة "لو بوهيه"؟" عندما يكون معك طفل بين ذراعيك، تصبحين غير مرئية!"

في عام 1999، في الـ 27 من عمرها، بدأت مورغان العمل في محطة إذاعية صغيرة تدعى RKB. "جذبتني وسيلة الإعلام هذه، ووجدتها ساحرة وخفيفة. بإمكانك الوصول بمفردك، والذهاب لمقابلة الأشخاص ونقل أقوالهم. الراديو وسيلة إعلام إيكولوجية لا تتطلب الكثير من الطاقة لإنتاجها".

"كانت RKB في وضع سيئ عندما انضممت إليها. وكان هناك أربعة أو خمسة أشخاص يتناوبون على الهواء. أردت تخصيص مساحة للحديث عن البيئة والزراعة. كنت أعمل بالفرنسية والآخرون باللغة البريتانية. وأحببت العمل في الميدان". كان غالباً ما تُسأل: ألم تتعبي من تربية الماشية!". تتذكر أنه في ذلك الوقت، لم تكن هذه المواضيع متداولة كثيراً حتى لو كانت المنطقة ريفية بالكامل. "لم يكن لدينا إنترنت حتى العام 2013! كان يجب حقًا الإيمان بأي موضوع والعمل بجهد لأجله..."

حصاد الأصوات

التقت مورغان بعلماء في مجال الطبيعة ساعدوها في صنع سلسلة من البرامج. مع الأصوات، تجد مورغان نفسها في المكان الصحيح، فهي تجمع الحصاد. "إنّ جمع الأصوات وترتيبها لمشاركتها مع المستمعين لأمر رائع! أن تكون في حظيرة مع امرأة محاطة ببقراتها وتسمعها تقول فجأة "لا، انتظري، لا ترفسي ..."، هذا أمر رائع بالفعل! من المستحيل التقاط ذلك في الاستوديو، وهل كانت لتذهب إلى هناك أصلاً؟"

ذات يوم، كانت تُعدّ تقريراً في مركز يجمع السائل المنوي من الثيران. "كان هناك حوالي 150 ثوراً. كنتُ حاملاً بابنتي وقتها. تبعتُ رجلاً عبر ممر طويل جداً وضيق حيث كانت الثيران في صناديق فردية. بمجرد أن مشينا في ذلك الممر، أنزلت الثيران رؤوسها إلى الأرض وبدأت في الخوار. أحدث ذلك اهتزازًا كبيرًا نجحت في تسجيله... في لحظة ما، قلت "لا أعتقد أنني سأتابع" - يُسمع كلامي هذا في شريط التسجيل! - وأردت أن أعود أدراجي. كان الاهتزاز قويًا لدرجة أنني شعرت بالخوف وفكرت في طفلتي". تجد مورغان أنه من الجيد أن التعبير عن المشاعر بلا قيود أثناء التسجيل.

هل استقطبت المستمعين/ات على الفور؟

تفاجأت مورغان بعض الشيء من السؤال وقالت: "كلا... كنت أقوم بعملي في سرية تامة ولا مبالاة. وقال لي كثيرون "لم أستمع للحلقة ... ألا يمكنك إذاعة برنامجك مرة أخرى ..."

قرّرت مورغان أن تتعلم اللغة البريتانية (عبر الدروس المسائية) في اليوم الذي أدخلت فيه ابنها إلى مدرسة رسمية ثنائية اللغة وستفعل الأمر نفسه لابنتها. "ينزعج البعض من فكرة أني أتحدث البريتانية، وأنّ لدي خبرة في الزراعة لأنهم يودون مهاجمتي والتشكيك بشرعيتي وكفاءتي". في سن الأربعين، أكملت مورغان دورة تدريبية حصلت في نهايتها على شهادة زراعية مهنية.

هل تعتقدين أنّه يجب للمرأة أن تحظى بشرعية أكبر من الرجل؟

"هذا مؤكد! كم مرة عليها أن تتحمل أن يُقال لها "سيدتي أنت لا تعرفين شيئًا عن هذا الأمر!"... أحيانًا، حتى عندما أكون ملمّة بالموضوع الذي أعالجه، يقاطعني رجل ليشرح بدلاً مني!" بالنسبة إلى مورغان، لا شك أنّه من الصعب جدًا أن تكون المرأة أمًّا عاملة. عليها محاولة مجاراة المربيات والاجتماعات والمؤتمرات الصحفية في المساء: "أمر في غاية العنف أن يشعرونا أنّا أقل كفاءة، والأمر عنيف على الأطفال أيضًا أن يقصدوا الحضانة في الصباح وفي المساء ..."

"هذا النظام يمارس العنف تجاه الطبيعة والضعفاء ولطالما استنكرته... لقد أقصوا كل الفلاحين/ات الذين لا يتّبعون النموذج الصناعي الذي أرادوا فرضه عليهم"

قرأت أنك قطعت 100 كيلومتر من أجل سؤال نسيت أن تطرحيه، هل هذا صحيح؟

"نعم ، لقد أجريت مقابلة مع "سيمون باريس دو بولاردير"، زوجة "جاك باريس دو بولاردير"، الجنرال الوحيد الذي أدان التعذيب في الجزائر. نسيت أن أسألها عما كان سيقوله زوجها عن المعاملة التي يتلقاها المهاجرون اليوم. قدت مسافة 100 كيلومتر للحصول على الإجابة. أعربت هذه السيدة عن دفاعها عن المهاجرين غير الشرعيين".

في عام 2021 ، ما الموضوع الذي استنكرته وأزعج البعض؟

"لقد راجعت الفيلم الوثائقي بعنوان "برطانية: التضحية بالأرض"*، لكنني لا أقول الكثير. أتحدث عن تحقيق أجريته بشأن المال العام المخصص لنظام برطانية الإنتاجي. وأنتقد نموذجًا لا يحق لنا انتقاده". قبل ذلك، كانت قد شاركت مورغان في برنامج Les Pieds sur terre، على France Culture. وتضيف قائلة: "هذا النظام يمارس العنف تجاه الطبيعة والضعفاء ولطالما استنكرته. لقد أقصوا كل الفلاحين الذين لا يتّبعون النموذج الصناعي الذي أرادوا فرضه عليهم".

حتى ذلك الحين، لم تترك برامجها على RKB أي تأثير حقيقي، لكن الفيلم الوثائقي التلفزيوني أحدث صدى مدوياً. "لقد أزعج الوثائقي البعض كثيرًا، وتلقيت تهديدات على الشبكات الاجتماعية "سنأتي إلى منزلك!"". تم خلع أبواب RKB بالقوة. وفي كانون الثاني (يناير) 2021 ، "فتحوا الأسياج عندي، وتركوا المهور تشرد علمًا أنها قد تسبب في وقوع حادث. سمموا كلبتي أيضاً". وبعد شهرين، وجدت مورغان برغياً في ممر سيارتها، وأدركت أنّ عدّة براغٍ أزيلت من العجلة الخلفية لسيارتها: "لقد قدت أربعة أيام بهذه الحال: العجلة مفكوكة ومثبتة بالقفل فقط".

تقدّمت مورغان بشكوى، ولكن بسبب نقص الأدلة، انتهى الأمر في عام 2022 بحكم برد الدعوى وتم رفض تأمين الشرطة الحماية لها واستخدام رقم هاتف الطوارئ الذي طالبت به. لحسن الحظ، أقيمت مظاهرات كبيرة* داعمة لها في دائرتها.

في آذار/مارس 2023، تكرّرت أعمال العنف ضدها...

ظنت مورغان أنّ وسائل الإعلام ستحميها وأنّ تحقيقات الشرطة ستشكل شكلاً من أشكال التذكير بالقانون للجناة. اعتقدَت أنها لن تواجه مثل هذه المشاكل بعد الآن. لكن في آذار/مارس الماضي، ومن جديد، تم فك براغي العجلة الخلفية لسيارتها وخلع أبواب RKB عنوة. قدمت مورغان شكوى مرة أخرى. "وقعتُ في حيرة تامة، حتى أنني تساءلت عمّا إذا كان من الصواب أن أقدم شكوى وما إذا كانت الرسالة من كل ذلك "إذا لم نعد نسمع صوتك، سنتركك وشأنك". تذكُر مورغان "بول فرانسوا"، المزارع المسموم بمبيد أعشاب تم تسويقه من شركة Bayer-Monsanto. فبعد فوزه بالدعوى المقامة ضد هذه الشركة، تعرّض لاعتداء جسدي عنيف في مزرعته: "لقد سئمنا من سماعك ورؤية وجهك على التلفزيون". والمقصود من ذلك بحسب مورغان: "إنّه اللوبي الصناعي الزراعي الذي جاء وراءه ..."

هل تظنين أنّ كونك إمرأة هو سبب رئيسي للضغوط التي تتعرضين لها؟

"ربما ساعدني كوني امرأة أحياناً، ولهذا السبب (بما أنّ النساء أقلية في مجالها/ملاحظة المحررة)، كانوا يحرصون على شرح الأمور لي. ولكن في ذلك الوقت، لم أكن فكّكتُ النظام الأبوي بعد. لكن منذ ذلك الحين توضّحت الصورة في نظري، لا سيما من خلال مجموعة من الصحافيات أنا عضو فيها. أدركنا أن عدداً منا يتطرق إلى القضايا الزراعية والبيئية ويتعرّض للضغط أيضاً...".

* نشرها نسويات لدعم مورغان لارج على لافتات الحملات الانتخابية في مدينتها.
* حمل شعار "بدلاً من الصراخ ضد الظلام، من الأفضل إضاءة فانوس صغير"، وهو مثل صيني ذُكر في ألبوم "ألان جنتي"، Une Petite Lanterne.
* La Bretagne, une terre sacrifiée  (تم بثه في نوفمبر 2020 على قناة France 5).
* في 6 أبريل 2021، في روسترينين (كوت درمور)، تجمّع 850 شخصًا لدعم مورغان لارج. في 15 نيسان/أبريل 2021، تجمّع 200 شخص في لانيون (كوت درمور).
Exit mobile version