رحلات أدبية عبر الميثولوجيا النسوية الجديدة... اللوحة الثالثة: بينيلوب

غالباً ما كانت النساء المذكورات في الأعمال الكلاسيكية الكبرى، اللاتينية منها والإغريقية، شخصيات ثانوية تتحرك بصمت كلوحة خلفية لقصص تبرز فيها الأعمال البطولية لمقاتلين شجعان وأرباب متسلطين تتحكم بهم نزواتهم. تبدو النساء في تلك اللوحة هامشيات وخنوعات. مع ذلك، كان يمكن لجمالهنّ أن يتسبّب باندلاع حروب دموية. وكنّ أيضاً، بشكل شبه دائم، ضحايا الخطف والعنف الذكوري. لكن بعض المؤلفات المعاصرات أعادْن كتابة هذه القصص وروايتها من وجهة نظر نسائها، أي ديدون وسيرسيه وبينيلوب وكاليبسو وميديا وكاساندرا، ورفعن هؤلاء أخيراً إلى مصاف الشخصيات الرئيسية في الأحداث. وهكذا، صارت الروايات الحديثة التي تتناول قصصهن مليئة بالشجاعة والجرأة، تقلب رأساً على عقب الأفق الأبوية المتسلطة لدى تقديمها "العصر القديم" بشكل جديد.

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

سيدة إيتاكا الحاذقة 

عام 2005، نشرت الكندية مارغريت آتوود "أوديسة بينيلوب" L’Odyssée de Pénélope وهو مؤلف وصفته صحيفة النيويورك تايمز بأنه  "مبهر" و"يخلو من التبجيل".

تنتظر في الرواية الملكة الجميلة المخلصة والمليئة بالأمل عودةَ زوجها أوليس خلال عشرين سنة قام خلالها الطامعون بمحاصرته رغبة في الاستيلاء على عرشه. 

تبكي بينيلوب وتصلي، وتقوم لوحدها بتربية ابنها المتمرد الذي كبر بدون أب، كما تتولّى تصريف شؤون المملكة، وتنسج "سجادتها" الشهيرة من أجل والد زوجها لايرتيس، وبذلك تخدع طالبي يدها بالتآمر مع خادماتها.

في رواية جافة وساخرة، تصوّر آتوود شخصية بينيلوب الجذابة والمليئة بالإصرار، كما تروي طفولتها في القصر الاسبارطي الفخم والفترة التي تعرفت فيها إلى زوجها المقبل حين كان عمرها بالكاد خمسة عشرة سنة.

اللقاء الأولى بينهما رواه هوميروس من قبل مستنداً آنذاك إلى التقاليد الشفوية المحلية، وهو يغتني بانفعالات المرأة الشابة التي تقع مباشرة في حب هذا الرجل الساحر رغم مثالبه الكثيرة، والمعروف في بلاد الإغريق كلها بقدرته على الابتكار الماكر.  

عندما تصل بينيلوب إلى الجحيم، تفقد خشيتها من حكم الآلهة وتصرّح أخيراً بالحقيقة. تتناوب ذكرياتها هناك مع أناشيد خادماتها الاثنتي عشر في رواية نسوية تخلط ما بين النثر والشعر بنوع من الإشادة بالتقاليد التراجيدية.

تدعونا الرواية إلى التفكير بالدور الثانوي للنساء في العصر المكيني كما أنها تبرز الإنسانية العميقة التي تكمن في شخصية كثيفة معذّبة تقع غالباً أسيرة الشك، كما أنها تختلف بشكل واضح عن الصورة النمطية  للزوجة المخلصة والمتفهّمة التي كان يتغنى بها هوميروس.

 

من كتاب مارغريت آتوود، أوديسة بينيلوب، روبير لافون، 2022 .
Exit mobile version