"ستيلتو"... تنميط آخر للنساء وانتصار "الخرافة" على الواقع

"ستيلتو"، أي الكعب العالي وهو مقتبس عن مسلسل تركي اسمه "جرائم صغيرة"، يقدّم المرأة كعدوة للمرأة وكشخص مفترس وشرير، بنص ركيك وردود فعل مُفتعلة كان يمكن تفاديها إخراجياً، أو بذل بعض المجهود لتبدو المشاهد مقنعة أو قريبة من الواقع...

يقدّم مسلسل "ستيلتو" لسوء الحظ، نسخة سيئة وغير حقيقية عن النساء عموماً، من خلال قصة أربع صديقات من أيام المدرسة، فلك، جويل، نايلة، ألمى.

القصة كلها بتقوم على فكرة نساء تحركهن الغيرة وحب السيطرة والمشكلات التافهة، نساء لا يهمّهن سوى الانتقام والتدمير، في ما يبدو تنميطاً مكرّراً في الكثير من المسلسلات العربية التي تقدّم المرأة ككائن حسود، غيور، وتافه، أو في أحسن الأحوال يتم تصويرها كضحية، من دون حتى التعمّق بماهية الجلاد وأشكال الجلد الواقع على النساء.

الصور الجامدة والمتطرفة التي يقدمها المسلسل عن المرأة، هي في الحقيقة بعيدة جداً من واقع النساء اللبنانيات والسوريات، بما أن "ستيلتو" هو ميكس لبناني- سوري.

وإن كانت هذه النماذج من الأشخاص موجودة في الحقيقة في المجتمعات، إلا أن التركيز عليها وإظهارها في شخصيات البطلات الأربع يبدو افتعالاً غير مقبول وغير واقعي.

ماذا يعالج المسلسل؟

قصة المسلسل تقوم على حكاية قديمة حصلت بين الصديقات الأربع أيام الدراسة وكانت ضحيتها إحداهنّ، ألمى التي تقدم دورها كاريس بشار. وحين التقت هؤلاء بعد سنوات وقد صرن راشدات، عاد الماضي ليحرّك النيران النائمة، ويشعل الأحقاد من جديد.

وطبعاً تبدو البطلات الأربع ديما قندلفت، كاريس بشار، ندى أبو فرحات وريتا حرب، كـmanequins، لا يتحرّك المكياج عن وجوههن حتى لحظة نهوضهن من الفراش وحين يطبخن وحين يخلدن للنوم، والثياب دائماً أنيقة و"المشية" مستقيمة، حتى في غرفة الجلوس... وهي صورة عدا أنها لا تشبهنا، فهي مستفزة، إذ تنظر إحدانا إلى مظهرها في الأيام العادية، منهكة، متعبة وأحياناً كثيرة بلا مكياج وبثياب مريحة، حتى تستطيع اللحاق بكل ما عليها فعله... تنظر إحدانا إلى البطلات الأربع وتشعر بشيء من التقصير، وتشعر بأنها ليست على قيد الحياة.

مَن هنّ النساء المعنيّات؟

ثم هناك ما نفكّر به كلما صادفنا مقطع من مشاهد المسلسل حين تخطط البطلات كل واحدة بتدمير الأخريات، مَن يمثل هؤلاء؟ مَن هنّ هؤلاء النساء المتفرّغات لوضع المخططات بهذه الطريقة وطوال الوقت؟ وهل حقاً نحن النساء نكره بعضنا إلى هذه الدرجة؟ وماذا خلف تغذية فكرة الكراهية بين النساء في الأعمال الدرامية، فيما المطلوب هو التكاتف والتعاون لدعم قضايا مشتركة؟ هل حقاً هذا بريء، أن تُشوّه صورنا طوال الوقت، ويتم تنميطنا وتسخيفنا وتهميش واقعنا؟

"ستيلتو"، أي الكعب العالي وهو مقتبس عن مسلسل تركي اسمه "جرائم صغيرة"، يقدم المرأة كعدوة للمرأة وكشخص مفترس وشرير، بنص ركيك وردود فعل مفتعلة كان يمكن تفاديها إخراجياً، أو بذل بعض المجهود لتبدو المشاهد والحوارات مقنعة أو قريبة من الواقع، إن كانت عاجزة عن تمثيله تمثيلاً حقيقياً، من أجل جذب المشاهد والاستمرار في إبهاره... ذلك أن "الرايْت" يطاردنا في كل عمل، ولا مشكلة في التضحية بالحقيقة من أجل "الخيال" لتحقيق نسب مشاهدة عالية...

ربما هي ليست المرة الأولى التي نشعر فيها بخيبة حقيقية من الدراما عموماً، ومن الدراما المشتركة خصوصاً، لكن حسبنا أننا ما زلنا نتأمل وننتظر أن يتغير شيء ويتم تسخير الميزانيات الضخمة من أجل أعمال أكثر عمقاً، ونصوص ذكية وواقعية.

المسلسل المنقول عن العمل التركي، يعرض حالياً على منصة "شاهد" التابعة لمجموعة MBC وهو ينال شهرة واسعة، وتملأ مقاطع الفيديو من حلقاته منصات التواصل الاجتماعي، فيبدو المشاهد العربي مجبراً على التورّط بالمسلسل.

ماذا خلف تغذية فكرة الكراهية بين النساء في الأعمال الدرامية، فيما المطلوب هو التكاتف والتعاون لدعم قضايا مشتركة؟ هل حقاً هذا بريء، أن تُشوّه صورنا طوال الوقت، ويتم تنميطنا وتسخيفنا وتهميش واقعنا؟

تقسيم النساء بين ضُدَّين

إلى الحملة الإعلانية والإعلامية، فإن التصوير مميز، وتدور الحكاية في مجمع سكني "كامباوند"، جذاب وقد نتمنّى جميعاً أن نمتلك فيه غرفة صغيرة، ما يجعل متابعة "ستيلتو" أمراً لا مفرّ منه وإن عبر فيديوات قصيرة على "تيك توك" أو "الريلز". لكن لحظة التوقف قليلاً عند فكرة المسلسل وأحداثه والشخصيات النسائية التي يقدّمها، تجعلنا نستعيد بسرعة شعورنا بالخيبة، من أعمال لم تستطع حتى الآن الخروج من قوالب التنميط لا سيما في ما يخص حكايات النساء وأشجانهنّ وما يعشنه حقيقة.

في المقابل، فإن الأعمال التي تتناول بالفعل قضايا النساء والظلم الواقع عليهنّ برعاية القوانين والمحاكم الشرعية والمجتمعات، تبدو هامشية أو بمثابة استثناء، إذ تنتصر الخرافة على الواقع في مشهد الدراما العربية عموماً، في ما عدا بعض الأعمال التي تحاول...

هذا عدا التقسيم الدراماتيكي بين الضدّين، امرأة غنية أو فقيرة، وفية أو خائنة، محافظة أو متحرّرة، جيدة أو سيئة، طيبة أو خبيثة... وهو تصنيف ضعيف، يضيّع على المشاهد فرصة اكتشاف شخصيات كثيرة أخرى تقع بين الحدّين الفاصلين لكل صفة، وفهم ماذا خلف كل "كاراكتير". وهو تقسيم يشمل الرجال أيضاً، ولكننا أشرنا إلى النساء تحديداً لأننا في صدد التطرق للشخصيات النسائية في المسلسل.

النسخة التركية من المسلسل كانت عُرضت في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، وصُنّف العمل من ضمن مسلسلات الجريمة البوليسية، مع قالب درامي رومانسي. وهو من إخراج علي بيلجين ودينيز يورولمازرو. وقد حصد المسلسل جوائز عدة، وحقق نسب مشاهدة عالية. أما الإخراج بالنسخة المعرّبة، فهو للتركي أندر أمير، ومن بطولة قيس الشيخ نجيب وكارلوس عازار، إلى الممثلات الأربع، كاريس بشار وريتا حرب وندى أبو فرحات وديمة قندلفت.

Exit mobile version