"أحبّيني"... افتراضيّاً: جولة على أبرز تطبيقات المواعدة في العالم

تزداد الاشتراكات على تطبيقات المواعدة عاماً تلو العام، وقد عرفت أوجها خلال جائحة كورونا، لتصل أرباحها عام 2020 إلى حوالي ثلاث مليار دولار. لكن ما الذي يبحث عنه "المواعِدون الرقميون"؟ وهل تلبّي المواعدة الرقميّة تطلعاتهم حقاً؟

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية) VO

خلال السنوات الماضية الأخيرة، شجّعتُ عدداً كبيراً من صديقاتي العازبات على التسجيل في تطبيقات مواعدة. في بعض الحالات، ساعدتهنّ في اختيار الصور التعريفية بهنّ على ملفاتهنّ الشخصية، وفي حالات أخرى، قدّمتُ لهنّ نصائح حول طريقة كسر الجليد عبر الرسائل الأولى الخجولة والمربكة التي يتم تبادلها. أودُّ أن أفكّر بأنني ساهمتُ، ولو جزئياً في تحقيق أحلامهنّ بالحب. مع ذلك، فإنني قاومت أنا نفسي طويلاً قبل أن أقرر تجربة هذه التطببيقات: فالجانب الرومانسي داخلي رفضَ أن يعهد بالبحث عن فارس الأحلام إلى خوارزميات باردة داخل برنامج كومبيوتر.

تعود تجربتي الأولى على موقع تيندر Tinder إلى شهر كانون الثاني/ يناير 2021، وكنت قبلها بقليل عرفتُ من خلال كتاب ريبيكا تريستر الذي يحمل عنوان "كل هؤلاء النساء العزباوات" أننا نعيش في زمنٍ وصلت فيه حالات "الاقتران إلى أقل نسبة لها في التاريخ". في الواقع، إن الثنائي الزوجي لم يعرف قلّة شبيهة منذ أن خُلق العالم. وحتى لو كان من الرائع أن يكون الإنسان عازباً بخياره، فإن نساءً كثيرات يبقَين عازبات لأنه لم يعد هناك أحد يرتبطن به في المناطق المجاورة لهنّ.

رسم توضيحي لدافيد بوناتزي- المصدر: بينتريست

حاليّاً، نجد أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و40 سنة والذين يطلق عليهم اسم "جيل الألفية"، إما أن يكونوا متزوجين، أو أنهم يعيشون منذ سنوات مع شريك من دون زواج. معظم صديقاتهم أو أصدقائهم أو أصدقاء وصديقات أصدقائهم وصديقاتهم، هم سعداء في حياتهم الزوجية. تبيّن الإحصاءات أنه من الصعب جداً على الأشخاص الذين يشاركونني عمري (جيل الألفية) أن يلتقوا بأشخاص عازبين من الجنسَين يكونون مثيرين للاهتمام. بالإضافة لذلك، فإن حالات العزل الإجباري المتكرّرة التي فُرضت بسبب كورونا أدّت، بلا أدنى شك، إلى تصحّر شبه كامل في علاقاتي الاجتماعية، حتى بدا لي أن اللقاء بأشخاص جديدين مهمّة شبه مستحيلة.

أنا أيضاً، حالي حال ملايين من "المواعدين الرقميين" الآخرين، عرفتُ الضغط الذي يواكب اللقاء الأول. التقيت بأشخاص ما كان يمكن أن أقابلهم مطلقاً في العالم العادي. شعرتُ بخيبات أمل مريرة عندما وقعت على أشخاص مختلفين تماماً عن الصور الشخصية التي يضعوها على بياناتهم. أدركتُ على الفور، أو بعد فترة قصيرة، أن مسألة الظهور بشكل حسن على الإنترنت تتطلب شكلاً من الالتزام والشجاعة: فأن أصبح جذّابة بعد شهور طويلة من الكسل في المنزل بلباس الرياضة بدا لي مهمّة شاقة. أصبتُ بالذعر من فكرة أن أبدأ محادثةً ذكية مع شخص مجهول تماماً بالنسبة إلي. لكن مع مرور الوقت، بدأت أتقن فنّ كتابة الرسائل المنمّق، وتعلّمتُ كيف أقطع الطريق مباشرة على محادثة يبدو لي من الجملة الأولى أن فيها رائحة عنصرية، أو أنها تحتوي على كراهية إزاء النساء، وذلك من دون أن أدّعي وضع محدّثي على المسار الصحيح. باختصار، كنت أتحسّن في أدائي على التطبيقات.

مقدمات افتراضية

مصدر الرسم التوضيحي : بينترست

يعود تاريخ أول إعلان موجّه للقلوب الوحيدة إلى نهاية القرن السابع عشر. بعد ذلك ببضعة قرون، عام 1965 تحديداً، قام طلاب من جامعة هارفارد بإطلاق "عملية المباراة" "Operation Match"، التي تُعدّ أول خدمة ترمي إلى تأمين المواعدة بشكل غير مباشر في الولايات المتحدة. قبل عشرين سنة، ما كان يوجد سوى عدد قليل من التطبيقات المدفوعة، وكان المشتركون النادرون فيها لا يعترفون أبداً بأنهم يستخدمونها.

مع ذلك، وخلال عقد من الزمن، تزايد عدد المستخدمين والمستخدمات بشكل متسارع، وصارت الخدمات الأساسية فيها مجّانية، وازداد عدد الاشتراكات المتميّزة التي تسمح بخدمات إضافية. ومع الانتشار الواسع للهواتف الذكية، اختفت فعلياً وصمة العار الاجتماعية لدرجة أن التطبيقات، حتى بالنسبة للأصغر سناً، صارت تمثل فقط إمكانية إيجاد شريك. وهكذا، فإن جيل Z أي الشبان والشابات من 18 إلى 25 سنة اليوم، صاروا يشكّلون أكثر من 50 % من العدد الإجمالي للمشتركين والمشتركات في هذه التطبيقات. ومع انتشار الجائحة، ظهرت نقطة تحوّل جديدة: صارت المواعِدات والمواعدون الرقميون يبحثون عن علاقات أكثر ديمومة وأكثر استقراراً، وصاروا يرغبون بالتعرّف على الآخر بشكل شخصي عبر محادثات على الفيديو أو جلسات "احتساء  الشراب معاً على الإنترنت"، قبل اللقاء الأول الفعلي.

في شهر حزيران/ يونيو، أنفقت مجموعة ماتش Match، التي تعتبر رائدة في سوق تلك التطبيقات، 1,7 مليار دولار من أجل شراء خدمة الهايبر كونيكت Hyperconnect التي تسمح بتجارب بخاصّية الواقعية المعزّزة. في هذا الإطار، صرّحت ريناته نيبورغ، المديرة العامة لشركة تندر، بأن الشركة تفكّر بأن تؤسس "تندرفيرس" Tinderverse الشبيه بـ "ميتافيرس" Metaverse على فيسبوك.

خوارزميات كيوبيد

مصدر الرسم التوضيحي : بينترست

تطبيق وانس Once وهو ملك "المواعدة البطيئة"، يتيح لمشتركيه 24 ساعة لاتّخاذ القرار باللقاء أو لا مع الشخص المُقترح، وذلك وفقاً لحساب رياضيّ معقّد. أما منصة ميتيك Meetic وهي الأكثر شعبية في إيطاليا، فلديها مساعد افتراضي من أجل ضبط جميع الإعدادات بشكل صحيح. تطبيق تيندر Tinder الذي يتوفر في 190 بلداً ويستخدم أكثر من 40 لغة، يكافئ مستخدميه الأكثر نشاطاً ويسمح بالاختيار من بين 29 جنساً و9 توجهات جنسية متوفرة.

أما تطبيق أوكي كوبيد OkCupid فيتوجه إلى الرجال والنساء الذين يبحثون عن علاقات مستقرة ويطرح على الأقل 15 سؤالاً تتضمن تفضيلات الإجابات التي يمكن أن تُنسب إلى شريك مُحتمل. للناس الأكثر استسلاماً للقدر هناك هابين Happn الذي، وبفضل تطبيق تحديد المواقع العالمي جي بي أس GPS، يسمح بالتعرّف إلى الناس المسجّلين على المنصة من بين أولئك الذين تمّ اللقاء بهم خلال النهار.

صورة لتيريزا سدراليفيتش. المصدر: بينترست

أمّا العزّاب من الديانة الإسلامية فيلجأون إلى موقع مسلمة Muslima الذي ومنذ عام 2016 يُعدّ أحد المواقع الأساسية للزواج الإسلامي ولديه قاعدة بيانات لأكثر من سبعة ونصف مليون مستخدم. الشغوفون باللياقة البدنية يستخدمون تيماب Teamup، والنباتيون والنباتيات يستخدمون فيغلي Veggly، ولاعبو الألعاب على الفيديو يفضلون كيبو Kippo في حين تسود على تطبيق لوسيد Loosid، كلمة "الرصانة". أما تطبيق ذا إينر سيركل The Inner Circle الذي يحتوي على فلاتر تسمح بالقيام باتصالات على أساس المصالح والقيم المشتركة، فهو متاح بناء على دعوة. من جانبهنّ، تستخدم النساء تطبيق بامبل Bumble الذي يمنحهنّ 24 ساعة قبل القيام بالخطوة الأولى.

إذاً، بدأ العالم الافتراضي يفتح آفاقاً جديدة للجمهور النسائي الذي تحرّر من الأدوار القديمة النمطية المعتمدة على الإغراء في سبيل نيل الحب.

تكشف أرقام تيندر أن 66 % من النساء الإيطاليات من جيل Z يشعرن بحريتهنّ في اختيار الأشخاص الذين يردن التفاعل معهم. وعندما يُطرح عليهنّ السؤال حول ما ينتظرنه من شريك محتمل، تجيب 50 % من الفتيات أنهن يرغبن بـ "التحدث مع شخص ما يثير لديهنّ الشعور بحرية التصرف على طبيعتهن، وأن يُحافظن على ما هنّ عليه دون القلق من أحكام التقييم لدى الآخرين؛ وكذلك "قلب الأعراف الاجتماعية" (51 %)، و"العيش في اللحظة الراهنة دون وجود قواعد موضوعة مسبقاً" (45 %)، و"عرض أجسادهن" (30 %). والكلمة الأكثر استعمالاً في ملفاتهنّ الشخصية هي "قوية" تليها كلمة "نسوية"، "حالمة"، "متطلّبة" "طموحة" و"ناشطة". وقد ذكرت كثيرات منهنّ أن من بين النوايا الحسنة التي يرغبن بها في سنة 2022 البقاء على ما هنّ عليه والإعجاب بأنفسهنّ.

كلمات مفتاحية

غيّرت الجائحة خلال السنوات القليلة الماضية مضمون ومدة المحادثات. ففي شباط/فبراير 2021، كانت المحادثات على تيندر أطول بـ 19 % ممّا كانت عليه في العام الذي سبق؛ كما أن الأصغر سناً أصبحوا يمضون وقتاً أطول لتحديث بياناتهم من خلال تقديم معلومات أكثر دقة وأكثر شخصية.

خلال الموجة الأولى من كورونا، كان عدد المرات التي أُدرج فيها مصطلح "الجزع" في السيرة الذاتية أكثر بنسبة 31 % من عدد المرات التي استُخدم فيها خلال الشهور التي سبقت ذلك. وفي نيسان/ابريل2021، كانت كلمة greenpass أي تطبيق السماح بالمرور للملقّحين هي رابع أكثر الكلمات استخداماً على تطبيق تيندر من قبل المستخدمات والمستخدمين الإيطاليين رجالاً ونساءً من الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و26 سنة. وبحسب استطلاع قامت به اي بولس Ypulse في الفترة نفسها، تطرّق 17 % من المواعدين إلى موضوع الأمن الصحي مع الشخص المرغوب، قبل اللقاء به في الحياة الحقيقية. وأخيراً، على موقع اوكي كوبيد OKCupid، زادت كلمة "ملقح"  680٪ أكثر مما كان عليه الأمر في الشهور السابقة.

خلق عالم المواعدة الافتراضيّة أيضاً لغة جديدة تعكس تفضيلاً للتعابير الإنغليزية. فهناك كلمة كوندوينغ Kondo-ing المشتقة من اسم المرشدة اليابانية ماري كوندو المختصة بالترتيب (ترتيب البيت والخزائن)، وبالتطوير الشخصي، والتي تقترح إلغاء "الماتش" (المراسلة) ومن دون تفسير حين يكتشف الإنسان أنه ليس مهتمّاً بالأمر. أما كلمة غوستنغ ghosting والتي تعني حرفياً الاختفاء بشكل يشبه ظهور الشبح لا الجسد، فنجدها متناوبة مع كلمة زومبينغ zoombing أي العودة للظهور بعد أسابيع من الصمت. أما الأكثر يأساً بين الرجال والنساء فيقومون بنوع من التسول يتمسكون فيه بالفتات المتبقية من الاهتمام الذي يوليه الشريك غير المتفرّغ ويعرفون حالة البينشنغ benching أي البقاء في "وضعية السكون" أو الركون.

 انفجار أم ارتداد ؟

مصدر الرسم التوضيحي: بينترست

تغيّر هذه المجتمعات الافتراضية وبشكل جذري علاقتنا بالحب لدرجة تجعلنا نقع أكثر وأكثر في غرام الفكرة بدلاً من الشخص نفسه.

بحسب  تايمتوبلاي Time2play، ما زال 67% من الإيطاليين والإيطاليات يرفضون استخدام تطبيقات المواعدة ويفضلون اللقاء بأشخاص من لحم ودم (43 %). في الواقع إما أنهم لا يثقون بهذه الوسيلة (24 %)، أو يخشون المفاجآت السيئة (7 %). كذلك، فإن 32,6 من الأشخاص الذين تمّ استجوابهم تسجّلوا في هذه التطبيقات، لكن 21% فقط وجدوا الحب على الإنترنت. ويبدو أن المقاربة الانسيابية ضمن الثنائي المنفتح تظل أكثر المقاربات شعبية. هناك عدد كبير من المستخدمات والمستخدمين الذين يعيشون علاقة ثابتة، وبعضهم يخرجون مع شخصين أو ثلاثة في الوقت نفسه، ومن هؤلاء تشكل النساء 55,5 %.

في الخلاصة، يمكن القول إنه تم استبدال الروابط بالاتصال، كما كتب زيغموت باومان. ففي حين تتطلب الروابط التزاماً، فإن الاتصال بالشبكة أو الخروج منها يشبه "لعب أولاد". فعلى فيسبوك (أو Tinder, ndlr) يمكن أن يصبح لديك مئات الأصدقاء لمجرد أن تحرّك اصبعك. لكنّ كسب الأصدقاء من خارج الإنترنت أمر أكثر تعقيداً. وما تربحه بالكمية قد تخسره بالنوعية. وما تربحه بالسهولة (التي يتم الخلط بينها وبين الحرية) تخسره بالأمن.

أما أنا، فلن أتوقف أبداً عن الحلم بلقاء رومنسي في بار صغير في الحي، أو أمام السينما يوم أحد ممطر، أو في المكتبة، وربما أمام الكتاب نفسه. في انتظار تلك اللحظة، أتابع الإبحار عبر الإنترنت وخوض لقاءات، يمكنها، بشكل أو بآخر، أن تنجح، لكنني أحاول ألا أدعها تتسبّب في ضياعي لنفسي.

انقر هنا لقراءة النسخة الإيطالية من المقال.

Exit mobile version