هالة وردي: "الجسد الأنثوي كمدخل لتصوّر أرض العدو"

هالة وردي، أستاذة الأدب والحضارة الفرنسية في جامعة تونس، وباحثة مشاركة في مختبر دراسات الأديان التوحيدية في مركز البحوث العلمية، تفكّك عبر مؤلفاتها الكثير من الأساطير المرتبطة بالمرحلة المبكرة من الإسلام.

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

التقيتُ هالة وردي في العاشر من شهر أيار/مايو 2022، ضمن لقاء نظمته مدرسة الدكتوراه في تونس وضمّ جامعة منوبة في تونس العاصمة، والجامعة الحرة في بروكسيل حول موضوع "المرأة، الجسد، والدين". وكانت هالة قدّمت في اليوم السابق محاضرة عنوانها "الجنس والحرب المقدسة: النساء كغنائم حرب هنا على الأرض كما في الأعالي"، حيث أثبتت من خلال هذه المحاضرة عمق معرفتها في هذا المجال. استعرضت خلال المحاضرة الأبحاث التي جمعتها في أربعة مؤلفات* كرّستها لتفكيك وتحليل سلسلة من الأساطير التي تشكلت في الفترة المبكرة من الدين الإسلامي. في ما يلي، مقابلتي مع هالة.

- في الفترة المبكرة من الإسلام، عندما كان النبي محمد يذهب إلى الحرب من أجل فرض الإسلام على مناطق بعيدة، ما هو الدور الذي أدّته أجساد النساء في تحفيز المقاتلين؟

عندما كان الرجال يُرسلون إلى المعارك أو إلى الغزوات في الإسلام، كانت النساء بمثابة طعم، أي أنهن كنّ الدافع الذي يتشكل في المرحلة التي تسبق المعركة. وبالتالي، كنّ يجسّدن الدوافع الجنسية والاقتصادية في آن. وبما أنه كان يتم بيع السبايا فيما بعد كـ"عبدات"، صارت تُباع العذراوات منهنّ بسعر أغلى داخل  السوق. وهذا الدافع الرمزي ليس بالقليل. فالاستحواذ على جسد المراة، وهو إجراء يُهدف من خلاله إلى إذلال المهزوم، صار لاحقاً وسيلة لإنتاج أطفال مسلمين، في ما بات يُطلق عليه تعبير "أسْلمة الرحم".

بعد ذلك، وأثناء الحرب، وحيث أن الرجال كانوا يذهبون إلى مناطق بعيدة عن أراضيهم، كانوا يعانون من الحرمان الجنسي. من هنا انبثق هذا المفهوم الذي تم الاعتراض عليه كثيراً في الفقه الإسلامي نفسه، وهو مفهوم "زواج المتعة". كان الرسول سمح بشكل استثنائي بزواج المتعة ثم عاد ومنعه في نهاية حياته. كان زواج المتعة بمثابة "استهلاك سريع" قصد به الرسول ضمان التوازن العقلي لمقاتليه. بعد ذلك، تأتي المرحلة الثالثة التي تحصل عند جمع الغنائم. في كثير من الأحيان، كانت تندلع مشاجرات كبيرة بين صحابة الرسول أنفسهم في ما يتعلق بالسبايا. لا بل أنه هو نفسه كان يهتم بذلك الجزء من غنائم الحرب. هذه الممارسات لم تكن مرتبطة بالإسلام حصراً. ففي ذلك الزمن كما في الأزمنة السابقة واللاحقة، كان يُنظر إلى الجسد الأنثوي على أنه أحد التنويعات أو التحولات في تصور أرض العدو، بخاصة وأنه، بالنسبة إلى تلك القبائل التي تقطن في منطقة الخليج العربي، ما كانت هناك أراض ثابتة. وبالتالي، فإن العنصر الثابت الوحيد في مفهوم الاستقرار يصبح بالضرورة الجسد الأنثوي الذي هو أيضاً موئل "الشرف الذكوري" وضمانة لصفاء النسب والسلالة. إنها طريقة تصوّر تعود إلى فترة ما قبل الإسلام.

- بيّنتِ في محاضرتكِ أن الأئمة، ومن يجنّدون الناس للجهاد، والذين يستقون خطبهم من التفسير، ما زالوا يتابعون تبشير المؤمنين بجنات مليئة بالحوريات. هل كُتب على النساء أن يجدن أنفسهن هدية للرجال حتى في الأعالي؟

هذا الأمر خاص بالإسلام وحده. فالوعد بهذا المجون الهائل الذي يتم في الأعالي لا نجده لا في المسيحية ولا في اليهودية. كما أننا نلاحظ أن هذه التقاليد والأفكار استمرت حتى يومنا هذا. وهي استراتيجية ذات فاعلية كبيرة، وعلى الأخص بالنسبة إلى من يجنّدون الجهاديين، وفي ما عدا بلد واحد أو بلدين، فإن بعض الممارسات التي تم إثبات وجودها بوضوح في القرآن مثل قطع يد السارق قد اختفت من التشريعات. هذه العقوبات الجسدية صارت مع الزمن غير متوافقة مع العصر وعفا عليها الزمن. أما هذا الخطاب عن المجون الهائل في السماوات والذي ينتظر المؤمن الصالح والشهيد بشكل خاص، فقد تم الاحتفاظ به على نطاق واسع، وقام بنقله الدعاة المعاصرون الذين يُعتبر بعضهم  جدّيين مثل محمد شنقيطي، وهو عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، حيث نراه في أحد الفيديوهات التي عرضتُها في مداخلتي يمثل مقطعاً من دروسه يصف جنةً تشبه بيت دعارة.

- كيف تفسرين استمرار هذه الإيديولوجية التي تصف جنّة تشبه "بيت دعارة"، بحسب توصيفك لهذه الظاهرة؟

غالباً ما يكون الكبت الجنسي وراء النزعة إلى القتل. هذا ما يقوله بالإجمال عالم الجرائم، آلان باور، علماً أنه لم يهتم بمسألة الجهاد، إنما بظاهرة القتلة المتسلسلين. كلنا نعلم أنه لا يتم انتقاء المرشّحين للجهاد من بين هواة جمع طوابع: إنهم أفراد يتم إرسالهم إلى الموت. ومثل هذه التضحية تثبت فاعلية القدرات الكامنة في جسد المرأة على الحشد للقتال، وكل هذا الأدب البورنوغرافي الذي يتم نشره في مواقع داعش. ذكرتُ في تقديمي مقالات سيد قطب* التي جاءت في كتابه "أميركا التي رأيتها" الذي كتبه باللغة الإنغليزية. إنه يفسّر فيه القرف الذي أثاره فيه منظر استعراض جسد المرأة في أميركا الخمسينيات. أجساد نجمات هوليوود بكل روعتها قد أثارت لديه قرفاً وجذبته في الوقت نفسه. وعلى الأغلب إن كل ما طوّره لاحقاً في أدبياته الجهادية تولّد من هذه المشاعر التي تتصف بتعقدها الكبير.  فهذا الجسد الذي لا يمكن الوصول إليه سيصبح متاحاً في الجنة. وهو ما يتم تصوره بشكل شاعري طالما أن المرأة هناك ستكون مطيعة وممنوحة للاستهلاك غير المحدود، وفوق ذلك كله، ستكون عذراء. وبالتالي، فإن "شرف" الرجل غير مهدّد بذلك الجسد طالما أن عذرية الحوريات تستمر وتتوالد إلى ما لانهاية. إنه جسد نقي وجسد مستهلك في الوقت ذاته. هذا المحور الجنسي أُثبت وجوده كتنويعة أو كأحد تحولات الطاقة الغازية والفاتحة للمسلم الذي سوف يقوم بتأسيس مملكة الله على الأرض.

*مؤلفات هالة وردي نُشرت في معظمها في منشورات آلبان ميشيل وهي: الأيام الأخيرة في حياة محمد (2016)، الخلفاء الملعونون- الشرخ (2019)، الخلفاء الملعونون تحت ظل السيوف (2019)، جريمة في المسجد (2021).
* سيد قطب: ولد  قطب في 1906 وهو منظّر حركة الإخوان المسلمين، ويعتبر "الأب الروحي للجهاد السلفي". أُعدم في فترة حكم عبد الناصر في 1966 بتهمة التآمر من أجل اغتيال الرئيس.          
Exit mobile version