إيمان ونيرة وسمر... كأننا كلنا امرأة واحدة

لا تختلف إيمان وسمر ونيرة عنا جميعاً، نحن نساء مجتمعات تكرهنا وتريد محونا اجتماعياً ومهنياً واقتصادياً ونفسياً، وصولاً إلى تصفيتنا جسدياً... كلنا امرأة واحدة في وجه رجالٍ كثيرين يريدون قتلنا.

كأننا كلنا امرأة واحدة، مصير واحد، ضحية واحدة، نهاية واحدة، رصاصة واحدة في القلب وأحياناً في الرأس. ما الفرق بين نيرة في مصر وإيمان في الأردن؟ ما الفرق بين جامعة المنصورة وجامعة العلوم التطبيقية في عمان؟ ما الفرق بين الجريمتَين؟ وبين الطالبتين؟ ما الفرق بين قاتل وآخر، بين مجتمع أبوي وآخر مثله؟ لا شيء على الإطلاق.

فيما كنا ما زلنا نحاول استيعاب مقتل نيرة أشرف في جامعة المنصورة على يد شاب رفضت الارتباط به، ومقتل سمر كلاسنة إثر إصابتها بجروح حرجة بعدما طعنها زوجها في مدينة حيفا، والاعتداء الوحشي الذي كاد ينهي حياة تهاني حرب في لبنان، أتتنا بعد أيام قليلة فجيعة مقتل إيمان إرشيد في جامعة أردنية. اخترق الرصاص جسد الطالبة التي كانت بلا شك تحاول بناء مستقبلها وترسم طموحها وحياتها. اخترقها الرصاص وأردى كل ذلك في لحظة واحدة.

إنه دم النساء المستباح والمسكوت عنه، إنه دم النساء الذي يصار إلى لملمته وغسله بمصالحة ودّية بين عائلتين أو عشيرتين، أو عدالة تخضع غالباً للتمييع والتأجيل، إلى الأبد أحياناً.

وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، تُقتل 50000 امرأة وفتاة كلّ عام على أيدي شركائهنّ العاطفيين أو أفراد آخرين من الأسرة. أي أن 137 روحاً تُزهق كلّ يوم، ولا يشمل هذا الرقم سوى حالات النساء اللواتي قُتلنَ على يد أحد أفراد الأسرة أو على يد الشريك، ولا يشمل القتل الذي يستهدف النساء والفتيات في سياق النزاعات المسلّحة أو جرائم القتل المرتبطة بالمهر وغيرها.

لا يمكن اعتبار هذه الأرقام نهائية إذ إن جرائم كثيرة تحدث داخل الجدران وداخل القبيلة وداخل الأسرة ولا يتم التبليغ عنها، إلى أن تُنسى، بحجج واهية تقتل القتيلة مرّة ثانية، كغسل ما يُسمّى بـ "الشرف" وانتقاماً من العار. فالعار ما زال يحسب على أجساد النساء وكياناتهن، أما جرائم قتلهن أو طعنهن حتى الموت، فلا تحسبها المجتمعات البطريركية عاراً أو مأساة.

يعطي المجتمع بدعم من القوانين المتهتكة وتأويلات الشرائع الدينية الحق للرجل بإنهاء امرأة ساعة يشاء، ويسهل بعد الجريمة تركيب التهم على الضحية، والترويج لفكرة أنها تستحق الموت نوعاً ما، لأنها "متحررة"، أو لأنها مختلفة، أو لأنها لا تنفّذ الأوامر، أو لأنها أحبّت، أو لأنها رفضت... إنها الوصاية اللامتناهية على أجساد النساء ومصائرهن والتي يبدو أن لا شيء يردعها، لا القوانين ولا التقاليد ولا المجتمعات. الوصاية التي لا تتعامل مع المرأة بوصفها إنساناً مستقلاً، بل تعاملها كشيء يتم إنهاؤه بلمحة بصر وبلا محاسبة. حتى إن جرائم قتل النساء ما زالت تحصل في الشارع والجامعة أمام الجميع، من دون أي خجل أو خوف من العقاب. فالقاتل يعرف أن بيئته سبق أن طبّعت مع دماء النساء السائلة ولا ترى فيها مأساة جديرة بالمساءلة، بل مجرّد درس للضحية ولأخريات ربما يفكّرن بالخروج عن الطاعة أو قول "لا".

لا تختلف إيمان وسمر ونيرة عنا جميعاً، نحن نساء مجتمعات تكرهنا وتريد محونا اجتماعياً ومهنياً واقتصادياً ونفسياً، وصولاً إلى تصفيتنا جسديّاً... كلنا امرأة واحدة في وجه رجالٍ كثيرين... يريدون قتلنا. (وحسناً ليس كل الرجال قتلة، قبل أن تتّهموننا بالتعميم).

Exit mobile version