كم نحتاج إلى "الحبة الحمراء" لإنقاذ النسوية في سوريا

ما السرّ خلف أن تكون النسويات في الولايات المتحدة الأميركية، وهي بلاد يتمتعن فيها بحقوق أكثر، مكروهات، وأن تكون النسويات في سوريا، وهي بلاد لا يتمتعن فيها بأبسط حقوقهن، مكروهات أيضاً؟

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية)

حاولت كاسي جاي، مخرجة فيلم الحبة الحمراء الذي أُنتج عام 2016، استكشاف حركة حقوق الرجال كارهي النساء والغوص في عوالم الذكور ومشكلاتهم وفهمها من منظورهم. الرجال الذين قابلتهم يشعرون بأنهم مُعنّفون يتم استغلالهم اقتصادياً وجنسياً وقانويناً ولا يستطيعون اكتساب التعاطف حتى في أمراضهم. "فسرطان الثدي له تمويلات ضخمة أما سرطان البروستات فلا أحد يكترث به"، كما جاء على لسان أحد شخصيات الفيلم الحقيقية. تصل المخرجة في نهاية فيلمها إلى تكوين إحساس بالتعاطف مع هؤلاء الرجال معلنةً أنها بعد اليوم لن تسمّي نفسها نسوية.

وأنا أتابع الفيلم، تعود بي ذاكرتي إلى مداخلة عضو في مجلس الشعب عام 2008 عندما صرخ بأعلى صوته ضمن ندوة تتعلق بإلغاء العذر المحل لمرتكبي جرائم ما يُسمّى بالشرف في دمشق، ليقول "تريدون أن نلغي "جرائم الشرف" إذاً، فتفلت نساؤنا في الشوارع"؟ معتبراً أن إلغاء قتل النساء بذرائع عفنة هو سبب يؤدّي إلى أن تبيع النساء أجسادهن ويفلتن في الشوارع...

صورة من الفيلم الندوة

أتذكر أيضاً صوتاً آخر في ندوة عام 2009 حول معاني الجندر أو النوع الاجتماعي، والتساوي بين حقوق النساء وحقوق الرجال. حينها، هاجم الداعية الديني الناشطات/ين النسويات المُدرِكات لمفهوم المركّب الاجتماعي في ما يخص نقاش الجندر والجنس، وأعطى مثالاً: "شخص كان يريد أن يتزوج، وكلما أراد الزواج من فتاة كان والده يقول له إياك الزواج منها فقد قمتُ بعلاقة جنسية مع أمها، وربما تكون أختك. وعندما شكى ذاك لأمّه، قالت له تزوج من تشاء فهذا ليس أباك وأنت لست ابنه". هذا ما يؤدي إليه مفهوم الجندر بالنسبة إلى الداعية إذاً. وهذا ما اعتقد أننا كنسويات نروّج له. قال ذلك مع ضحكة صاخبة من الواضح أنها كانت تنمّ عن كرهٍ عميق للنسويات وعلم الجندر وحقوق النساء عموماً، على اعتبار أنها جاءت لتكون ضد الرجال وحقوقهم.

في سوريا أصواتٌ كثيرة كارهة للنساء والنسويات لا يمكن حصرها فقط ضمن القوانين أو بعض المجتمعات والأديان والطوائف. فغالباً ما تكون المرأة وفي كل البيئات هي الناشز إن لم تلبِّ مطالب الفراش الزوجية ولا تعود تستحق النفقة. ويحق للزوج اغتصابها بالقانون. وهي ناقصة العقل التي لا يُعتد بشهادتها في القضايا الشرعية كالزواج والموت والإرث. وهي التي لا يحق لها سوى بيت المقاطيع عند الطوائف الدرزية. وهي التي لا يحق لها الإرث اجتماعياً في الأرياف المسيحية والعلوية على رغم المواد الخاصة بالإرث في القانون السوري التي تساوي بين النساء والرجال لدى الطوائف المسيحية. وهي التي يمكن طلاقها بكلمة في الطلاق اللإداري. وهي التي تُحرم من حضانتها لأطفالها إن لم يوافق الأهل على اصطحابهم معها إلى دار أهلها، أو في حال تزوجت مرة أخرى.

صورة من الفيلم الندوة

لا تنتهي قصص بثّ الكره إزاء النساء التي تطالب بضرب المرأة كي تستقيم لأنها "كالزيتون لا يحلو إلا بالرصّ". وقضية آيات الرفاعي التي شغلت الرأي العام السوري ما هي إلا قصة متكررة تحصل كل يوم، إنما صدف أن خرجت تلك القصة بالذات إلى العلن فأُحرج القضاء واعتقل زوجها وأمّه وأباه الذين ساهموا بإيذائها حتى الموت.

يتحدّث بول إيلام من جمعية "صوت الرجال" في فيلم "الحبة الحمراء" عن العقوبات غير المتساوية في القوانين، حيث أن الرجال يُعاقبون أكثر بـ 63% من النساء، وفق ما يقول. فاتَه واقع مفاده أن الرجال يرتكبون الجرائم بنسب أكبر من النساء، وأن النساء إنْ لم يُحبسن في زنازين الدولة فهن يُحبسن في زنازين المنازل، وأن الرجال تُغفر لهم معاصٍ كثيرة ويُعذرون، فيما تُستثنى النساء من الأعذار المحلّة وما يُسمّى بفورات الغضب.

بينما يتحدّث هاري كروش، رئيس "التحالف الوطني للرجال" عن قضايا الأبوة الخاطئة، أتذكر كيف أن في سوريا لا تزال تُحرم النساء من حقهن البديهي في الولاية والوصاية والقوامة في حال كان الزوج أو الذكر من الأصول أو الفروع في العائلة ما زال موجوداً.

ثم تأتي قضية آمبر هيرد وجوني ديب لتشجّع الذكوريين على اعتبار النساء كاذبات وانتزاع نتيجة المحاكمة كانتصارٍ للذكور وهزيمة للنسوية، متجاهلين معاناة الملايين من النساء ومتناسين جوهر الفكر النسوي الذي يدعو إلى المساواة والعدالة بصرف النظر عن كل الفوارق والعوائق التي يفرضها المجتمع وعائلاته، وبمعزل عن التقارير التي قد تكون خاطئة أو شخصيات الضحايا التي قد تعجبنا أو لا. 

لكنّ السؤال الأساسي الذي حضّني الفيلم على طرحه هو: ما السرّ خلف أن تكون النسويات في الولايات المتحدة الأميركية، وهي بلاد يتمتعن فيها بحقوق أكثر، مكروهات، وأن تكون النسويات في سوريا، وهي بلاد لا يتمتعن فيها بأبسط حقوقهن، مكروهات أيضاً! إن عنى ذلك شيئاً، فهو أن الخطب ليس في خطابنا كنسويات ولا في مصطلحاتنا التي لا غبار عليها، إنما في كرههم لنا في مجمل الأحوال.

مَن يحتاج إلى الحبة الحمراء هم الذكوريون الذين لا يفقهون مفاهيمنا عن العدالة العميقة لأنهم لا يعرفون سوى ارتكاب الظلم والتفاخر بالامتيازات، ولن يحاولوا فهمها لأنهم، بخلاف كاسي جاي، لن يسعوا إلى التقرّب قيد أنملة من الآخر ليفهموه فيفهموا ربما معاني النسوية ويدعموا تغيير الممارسات والقوانين المجحفة.

Exit mobile version