"ماما ماذا سنأكل اليوم؟" ربات المنازل والانهيار اللبناني

"مرحباً ماما ماذا سنأكل اليوم؟"، يتكرّر هذا السؤال في اليوم الواحد أكثر من مرة وعلى أكثر من لسان. وفي كل مرة تجد ديما نفسها محاطة بالمزيد من الارتباك والحيرة، فالطعام اليومي لعائلتها بات جزءاً من التحديات التي يفرضها الانهيار الاقتصادي على نساء لبنان، كونهنّ في معظم الأحيان مسؤولات عن تدبير شؤون المنزل والاهتمام بالأطفال وحاجاتهم.

تقول ديما وهي تعمل في متجر لبيع الألبسة: "أحاول تقسيم راتبي وراتب زوجي على أيام الشهر لتنويع الأطعمة حتى يتغذّى أطفالنا، لكنّ الأمر يصبح مستحيلاً أحياناً، فكل شيء ارتفع سعره بشكل كبير، اللحم والخضار والفاكهة والحبوب..."؛ وتضيف: "منذ البداية أنا مسؤولة عن إدارة شؤون المنزل، لأن زوجي مبذّر كبير"، تضحك ديما قليلاً، ثمّ تتابع: "يراودني طوال الوقت شعور بالذنب، هل أنا أمٌّ جيدة؟ هل أطفالي سعداء؟ ماذا بإمكاني أن أفعل حتى أخفف عنهم وقع الأزمات؟ إنهم صغار في النهاية ولا ذنب لهم".

تأمين الطعام اليومي ليس همّ ديما الوحيد، إذ تروي لـ"ميدفيمينسوية" كيف أن أي نزهة عائلية بسيطة باتت تحتاج إلى مبلغ كبير، "حتى شراء لعبة لابنتي الصغرى (4 سنوات) بات صعباً. منذ فترة اتخذت قراراً بألا أصطحبها معي إلى السوق، لأنني غير قادرة على شراء اللعب والهدايا التي قد تعجبها، حتى السكاكر باتت غالية جداً... تخيلي أن تدلّك ابنتك إلى نوع الشوكولا الذي تحبّه، فيما تحاولين إقناعها بنوع آخر تستطيعين دفع ثمنه!".

تدفع نساء لبنان ضريبةً كبيرة في ظل الانهيار الاقتصادي والمالي الحاصل والذي كانت سبقته أزمة "كورونا" والحجر المنزلي وما أنتج ذلك من زيادة في منسوب العنف الأسري والضغط على النساء. وهو عنف لا يُبلّغ عنه في معظم الأحيان بسبب الخوف وعدم الثقة بآليات المحاسبة والحماية الرسمية. ويتواصل "العنف العام" الذي يستهدف جميع المواطنين والمقيمين، ويشتد وزره بالنسبة إلى النساء، لا سيما ربات المنازل المسؤولات عن كل التفاصيل تقريباً في حياة العائلة.

"ليتني أملك أكثر من يدين اثنتين، هؤلاء بناتي وأريد أن يركزن على دروسهنّ وألا يفكرن بأي شيء آخر

فقر الدورة

"عندي ثلاث صبايا إضافة إلي، تخيّلي كم أتكبّد كل شهر ثمن فوط صحية، العلبة الواحدة بحدود الـ50 ألف ليرة، كنا نشتريها بـ3000 ليرة قبل الأزمة. نحتاج بين 8 و10 علب كل شهر، إضافة إلى المنظّفات والمعقّمات الأنثوية"، تقول مروى، وهي أم أرملة، بكثير من الحرقة.

مروى معلمة رياضيات، اضطرّت هذا العام إلى إعطاء دروس خصوصية بعد الظهر حتى تستطيع تأمين حاجات أسرتها، ما رتّب عليها المزيد من الضغط، إذ عليها أيضاً أن تهتم ببناتها المراهقات وبالأعمال المنزلية من طبخ وتنظيف.

وفق دراسة نشرتها منظمة "في-مايل" بالشراكة مع "بلان إنترناشونال" حول واقع "فقر الدورة الشهرية"، فإن "76.5 في المئة من النساء والفتيات في لبنان عبّرن عن صعوبة الوصول إلى مستلزمات الدورة الشهرية بسبب الزيادة الحادة في الأسعار".

وعلى وقع انهيار اقتصادي غير مسبوق، رجّح البنك الدولي أن يكون من بين أشد ثلاث أزمات في العالم منذ العام 1850، مشيراً إلى تراجع القدرة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار. وكغيرها من السلع، ارتفعت أسعار الفوط الصحية المستوردة بغالبيتها تدريجاً بنحو 500 في المئة في الفترة الأخيرة.

76.5 في المئة من النساء والفتيات في لبنان عبّرن عن صعوبة الوصول إلى مستلزمات الدورة الشهرية بسبب الزيادة الحادة في الأسعار

"قبل الأزمة كنت أستعين بعاملة منزلية مرتين في الأسبوع حتى تسندني، لكنني الآن لم أعد أستطيع تحمل التكلفة، لذلك أتساعد أنا وبناتي في بعض الأمور"، تغص مروى كثيراً وتتابع: "ليتني أملك أكثر من يدين اثنتين، هؤلاء بناتي وأريد أن يركزن على دروسهنّ وألا يفكرن بأي شيء آخر، لكنني حقاً لا أستطيع. أنا أغادر البيت في السابعة صباحاً ولا أعود قبل السادسة. بناتي يرجعن من المدرسة في غيابي ويحاولن في أوقات الفراغ التخفيف من أعباء الأعمال المنزلية، أحياناً يبكيني الأمر، أن أعود إلى البيت وأجد أنهنّ حضرن طعاماً لليوم التالي ونظّفن الأرضية". وتضيف: "أمضي المساء كله في تحضير الأكل والغسيل والكوي ثم أخلد للنوم، لأبدأ جهاداً آخر مع القلق... مضى وقت وأنا لا أنام بعمق، أبقى متيقظة وأخشى من التقصير".

المزيد من الضغط... المزيد من التعب

تؤكد لنا ميرا عبدالله، وعي مديرة التواصل لبرنامج "النساء في الأخبار" في المنظمة العالمية للصحف (وان-ايفرا)، أن "النساء ككل الفئات المستضعفة أو المهمشة، يتأثرن كثيراً بالأزمات، لا سيما لناحية الغلاء المعيشي، إذ يصبحن غير قادرات على تأمين حاجاتهنّ الشخصية من فوط صحية وأدوية ومعقّمات للدورة الشهرية إلى أدوية منع الحمل وغير ذلك، نظراً لارتفاع أسعارها".

أما ربات المنازل "فهنّ يتأثرن بشكل كبير بالانهيار الحاصل، لا سيما أنهنّ غالباً مسؤولات عن التوفير والإدارة، وهنّ يبتعن الحاجيات، ويواجهن تحدياً في توفير طعام مغذٍ للعائلة مقابل تراجع القدرة الشرائية وصعوبة تأمين أبسط الأشياء من أرز ولحمة وخبز. وبذلك يعشن في ظل ضغط معنوي كيير إضافة الى الضغط المعيشي والمادي".

وتضيف عبدالله: "كثيرات اضطررن للعمل خارج المنزل في ظل الأزمة، ما ضاعف الضغوط والجهود المطلوبة منهن داخل المنازل وخارجها. في المقابل، لجأت شركات عدة إلى تقليص عدد موظفيها، وقد طاول ذلك النساء بشكل أساسي، بسبب الصورة النمطية التي تعتبر أن الرجل هو معيل الأسرة والأفضلية له في الأشغال".

وتختم عبدالله: "أعمال الرعاية المطلوبة من النساء زادت، إذ قرّرت أسر عدة السكن في منزل واحد لتخفيف الإيجارات والأعباء، ما حتّم على ربّات المنازل المزيد من التعب والمتطلبات، علماً أن الكثير من العائلات استغنت عن عاملات المنازل وعن الممرضين/ات الذين كانوا يعتنون بكبار السن أو المرضى مثلاً، وأصبحت كل هذه الوظائف المرهقة ملقاة على عاتق ربات المنازل... والنساء عموماً".

Exit mobile version