التلقيح الصناعي في فلسطين: تكاليف باهظة يتكبّدها الزوجان لوحدهما

في فلسطين، يلجأ كثيرون إلى عمليات الإخصاب الصناعي، على الرغم من عدم شمولها في التغطيات الصحية، لا الخاصة ولا الحكومية. فما هي تكلفة تلك العمليات؟ وما هي التحديات التي تواجهها النساء تحديداً خلال رحلة السعي إلى الإنجاب؟

خلال العقود الأربعة الماضية، ولد أكثر من ثمانية ملايين طفل/ة حول العالم عبر تقنيات التلقيح الصناعي، وقد ارتفعت هذه الأرقام أخيراً، وبتنا أمام ولادة أكثر من نصف مليون طفل سنوياً عبر هذه التقنيات التي عادةً ما تتطلّب ميزانيات عالية.

في العالم العربي، وبحسب الإحصائيات التي أجرتها مؤسسة "كويلرز" العالمية المتخصصة في إدارة الاستثمار في سوق التلقيح الصناعي في العالم، "تراجعت الخصوبة عربياً بنسبة 15%" ولذلك، بات التلقيح الصناعي يشكّل أملاً للملايين الراغبين بالإنجاب.

في فلسطين، واحد من كل ست أزواج يراجعون عيادات المساعدة على الحمل ونصفهم يخضعون لعمليات تُعرف بأطفال الأنابيب. في هذا الإطار، يؤكّد الدكتور سالم أبو الخيزران، رئيس مجلس إدارة ومدير مركز "رزان الطبي" لعلاج العقم وأطفال الأنابيب في فلسطين، أن "مشكلة التأخر في الحمل في فلسطين كبقية دول العالم... فما يقارب واحد من كل 6 ازواج يضطرون لمراجعة عيادات المساعدة على الحمل وحوالي نصفهم يحتاجون لعمليات أطفال الأنابيب، وتكلفة العملية مع العلاجات والأدوية بمتوسطها تصل لحوالي 3000 دولار".

يضيف أبو الخيزران أن "نسبة نجاح عمليات أطفال الأنابيب في العالم حاليّاً، وفي أفضل المراكز، تتراوح بين 40 و60 بالمئة، ما يعني أن غالباً ما يضطر الشركاء لإعادة العملية مرّتين وثلاث مرّات وربما أكثر في بعض الحالات".

ويردف الطبيب قائلاً إن "تأخّر الحمل والمساعدة على الإنجاب يشكّلان عبئاً  مباشراً على الزوجين فحسب، ولكن عبئاً من النواحي المالية والنفسية والاجتماعية كافة. وتُعتبر التكلفة في فلسطين ضمن أقل التكاليف حيث أن بعض الدول تتراوح فيها التكلفة بين 5000 و7000 يورو، لكنها تبقى عالية نظراً للأوضاع الاقتصادية الشاقة التي يعيشها الناس في فلسطين".

يأسف أبو الخيزران لعدم تغطية التأمين الصحي لمثل تلك العمليات في فلسطين ويقول، "إن عمليات المساعدة على الحمل لدينا لا تُغطّى بالتأمينات الخاصة ولا العامة. وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة يجب أن تتغير على الأقل التأمينات الخاصة نظرتَها لمسألة المساعدة على الحمل وأن تقدّم خدماتها وتشمل الأزواج بالتغطيات العلاجية. فهم بمعظمهم أزواج بمقتبل العمر ومساعدتهم ودعمهم في الإنجاب يساعدهم كثيراً".

في سياق اطّلاعنا على هذا المجال في فلسطين، تواصلت "ميدفيمينسوية" مع سيدات خضعن لعمليات الإخصاب الصناعي ومررن بظروف نفسية ومادية ومجتمعية متشابهة، نورد قصصهن هنا، من دون أن نذكر أسماءهن، حفاظاً على خصوصيتهن.

قصة ف.ح:

تبلغ ف.ح. 32 عاماً من العمر وهي من إحدى قرى رام الله. خضعت لعشر عمليات زراعة أطفال أنابيب في عشر سنوات زواج. تخبرنا ف.:

"أحياناً كنت أخضع لهذه العمليات مرة أو مرتين في العام الواحد، كانت التكلفة تصل إلى 3000 دولار وتشمل الأدوية وبعض الفحوصات الطبية. وأحياناً كنت أخضع لعمليات إعادة ترجيع الأجنة المجمدة وتكلفتها تقدر بـ 1000 دولار. وبالنسبة إلينا ورغم اقتدارنا مادياً وقدرتنا على تكرار التجربة، إلا أن التكلفة تبقى مرتفعة جدّا لأننا كنا ندفعها كاملة إذ إن التأمين الخاص والتأمين الحومي لا يشملان هذه العمليات ولا يُسند الزوجان خلال أي مرحلة بعد الحمل الذي يتم نتيجة زراعة الأجنة. ومن هنا كنت دوماً أتساءل: كيف باستطاعة محدودي الدخل الخضوع لعلاجات الانجاب؟".

كثير من النساء يلازمهن الشعور بالذنب نتيجة عدم الإنجاب وكأن المرأة هي المخطئة أو المقصّرة، ما يتطلّب جهوداً جدية من أجل وضع حد للنظرة النمطية اتجاه النساء ولومهنّ بشكل شبه حصري على عدم الإنجاب والتوقعات الثقيلة الملقاة عليهن

قصة  غ. م:

تبلغ من العمر 37 عاماً وهي من إحدى قرى جنين، وتروي:

"خضعتُ لسبع عمليات زراعة أطفال أنابيب وحقن مجهري خلال 18 سنة زواج، وكنت أباهد بين العملية والأخرى سنوات عدة لأن تكلفة هذه العمليات والعلاجات والأدوية ما قبل وبعد إجراء العمليات مرتفعة جداً. وكانت التكلفة تعتمد على كمية الأدوية والحقن المطلوبة، وبالمجمل كانت تتراوح بين 2500 و2900 دولار، وكنا نتحمّلها زوجي وأنا لوحدنا دون أي مساعدة من أي جهة.

وتردف:"بعد سنوات عذاب منّ الله علينا بالإنجاب –بعد   15 عاماً من الزواج- وحملت بشكل طبيعي قبل عامين ونصف العام. واليوم تقر عيني بوجود طفلي في حياتي إلا انني سأعيد محاولة الانجاب خلال الفترة المقبلة. وآمل في أن تكون المساعدة على الإنجاب من ضمن مسؤوليات الدولة لأفرادها وأن يتم دعمنا وتخفيف العبء الكبير المُلقى علينا".

قصة ش. ش:

تبلغ من العمر 43 عاماً وهي من إحدى قرى شمال غرب القدس، وتخبرنا:

"إن تكلفة عمليات أطفال الأنابيب كانت باهظة جداً. فقبل 20 عاماً، كلّفت عمليتي الأولى 7000 دولار، ثم بدأت الأسعار تنخفض إلى أن وصلت إلى 2500 تقريباً. وتمكّنت بعد جهد جهيد أن أنتزع تغطية من الدولة لإحدى العمليات. سألت كثيراً عن التأمينات لكن دون جدوى. فاضطررت إلى أن أؤمن المبلغ عبر تجميع الأموال لتكرار التجربة. وأخيراً حظيت بهبة من الله تمثّلت بولادتي لفتاتين. أمنيتي هي أن يكون لدي المزيد لكن من تقدمي في العمر ومن ذكرى التجارب السابقة التي أرهقتني وأنا أحاول أن أحمل".

قصة ي.ر:

تبلغ من العمر 30 عاماً وهي من إحدى بلدات القدس. لا تزال ي.ر. تبحث عن حل إذ إنها لم تنجب بعد. سئمت من أسئلة الناس وتدخّلهم في حياتها الشخصية وظروفها. وتخبرنا:

"أنا متزوجة منذ عام 2014. حاولت عملية الحقن مرة واحدة و8 عمليات زراعة أجنة لكن و3 منها كانت كاملة مع إرجاع الأجنة. كانت التكاليف باهظة جداً لا سيما في حالتي ذلك أنني كنتُ بحاجة إلى كميات مضاعفة من الحق. "والله دفعنا دم قلبنا صراحة". والمشكلة أن البروتوكول المتّبع للعلاج واحد على رغم اختلاف الأوضاع واختلاف الجرعات والكميات المطلوبة. اضطررن إلى السفر إلى الأردن وبدء الرحلة من جديد والتعامل مع أطباء جدد وتحمل تكاليف مادية ونفسية مضاعفة. بعد المحاولة الثامنة، أصبحت أعاني من "فوبيا" حقن البطن وخوف شديد من الفشل. هي بالفعل تجارة مرهقة مادياً ونفسياً وجسدياً".

حال ش.ش. حال كثيرات من النساء اللواتي يلازمهن الشعور بالذنب نتيجة عدم الإنجاب وكأن المرأة هي المخطئة أو المقصّرة، ما يتطلّب جهوداً جماعية جدّية من أجل وضع حد للنظرة النمطية اتجاه النساء ولومهنّ بشكل شبه حصري على عدم الإنجاب وإنهاء التوقعات الثقيلة الملقاة عليهن، كوجوب الصبر والمحاولة لسنوات طويلة من دون أي دعم حقيقي ولا اعتبار لتداعيات المسألة على صحتهن، ولا حتى تغطية صحية حكومية أو خاصة، في الوقت الذي تبرهن فيه قصص النساء التي أوردناها في ما سبق أن الحاجة ملحة لإيجاد بروتوكولات علاجية تغطّي بالحد الأدنى تكاليف الإخصاب الصناعي وتعزز حق الشريكين الراغبين بالإنجاب في الوصول إلى وسائل العلاج، كسائر الحالات الطبية والمرضية. 

والأهم من كل ذلك، يجب الكف عن ممارسة الضغط على مَن لا ينجبون والتعامل مع الناس على أن لهم أدواراً وسمات ومسؤوليات أخرى في الحياة لا تقتصر فقط على الإنجاب وتحقيق التكاثر

Exit mobile version