شهر رمضان أو "شهر التصعيد" كما يروق للاحتلال الإسرائيلي أن يسمّيه

"ما هنت يا ولدي ولم يفارقني الرجاء. فقد حملت نعشك وطفت في الأرجاء وزيّنت قبرك بالورود وعطّرته بالأوفياء. لكن كلماتنا ضاعت بين الكلمات وغطّى صوتنا ضجيج الشعارات ورنين الخطب وأرهقتنا كثرة الطعنات..."

تشهد الأراضي الفلسطنية توترات كثيرة بفعل ما يقترفه الاحتلال الاسرائيلي بحق الفلسطينيين/ات على مدار العام، لكن المفارقة كل سنة أنّ حدّة هذه التوترات تشتدّ بوضوح مع وصول شهر رمضان، فتتضاعف الاعتقالات والاقتحامات واستهداف المصلّين عن طريق إخراجهم عنوة من المسجد الأقصى وباحاته، وسحلهم، وإبعاد بعضهم ومنعهم من الدخول إليه. ويطال هذا الاستهداف الممنهج الشبان والشابات والأطفال وكبار السن على حدّ سواء.

فيما يصرّ الاحتلال على الاستمرار باقتراف أفظع الجرائم، من المفيد التذكير أنّ التصعيد الإسرائيلي الذي يواجهه الفلسطينيون/ات اليوم هو تصعيد متكرّر ومتعمّد، وهو ما روّجت له أصلاً وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلاً عن مصادر أمنية وسياسية لدى الاحتلال أكّدت مراراً أن شهر رمضان هو "شهر للتصعيد".

بحسب إحصائية وزارة الصحة الفلسطينية، وصل عدد الضحايا الفلسطينيين منذ بداية شهر رمضان في العام 2022، إلى 15، مع احتمال أن يسقط المزيد في الأيام القادمة. وأظهرت ورقة حقائق أصدرتها مؤسسات الأسرى لمناسبة يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف 17 نيسان/أبريل من كل عام، أنه منذ مطلع العام الجاري 2022 وحتى نهاية شهر آذار/مارس، اعتقل الاحتلال أكثر من 2140 مواطناً ومواطنة، وتركّزت الاعتقالات في محافظتي القدس وجنين وبعض البلدات والمخيمات التي تقع على تماس مع قوّات الاحتلال والمستوطنات المُقامة على الأراضي الفلسطينية. من بين المعتقلين/ات، أكثر من 200 طفل/ة وأكثر من 35 امرأة. وبيّنت الورقة أن عمليات الاعتقال تصاعدت خلال شهر آذار/ مارس الماضي مع بداية شهر رمضان، وبلغت ذروتها في 15 نيسان/ أبريل حيث نفّذت قوات الاحتلال عمليات اعتقال واسعة خلال اقتحام المسجد الأقصى طالت أكثر من 450 شخص بينهم أطفال ونساء، وأحدثت تخريباً داخل المسجد القبلي واعتدت على المصلّين بطريقة وحشية ومسّت بقدسية المكان ورمزيته الكبرى للمؤمنين/ات.

"اليوم يا ولدي اسمك هناك في قائمة تبدأ بك وتجاوزت المئة من الحسرات ولكنها ستبقى شاهداً على إجرام المحتل وتخاذل من ضلّ وصمود من لا يرضى الذلّ"

الآن، لا تزال الاقتحامات اليومية للمسجد الاقصى متواصلة، لا بل تتكثف بخاصة بعدما قرّرت سلطات الاحتلال إحكام إغلاقها العسكري للأراضي الفلسطينية بذريعة "عيد الفصح اليهودي" وإعلان الجماعات اليهودية المتطرفة نيتها إدخال القرابين إلى المسجد الأقصى. وهذا الأمر حذّر منه مفتي القدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى الشيخ محمد حسين، الذي تحدّث عن "الهجمة الشرسة التي تطال الكل الفلسطيني" واصفاً ما يجري "بالمجزرة المتعمدة التي تأتي في إطار العدوان الإسرائيلي المستمر".

وقد بيّن الشيخ حسين أن الاعتداءات على المصلّين على مدى الأيام السابقة تمثل "استمراراً لمسلسل التجاوزات والاستفزازات الإسرائيلية، بهدف تغيير الوضع القائم الديني والتاريخي والقانوني، حيث يجري التسامح مع اقتحامات مستمرّة لعصابات المستوطنين والمتطرفين، في الوقت الذي يُمنع فيه الفلسطينيون من أداء الشعائر، بما يهدد بإشعال الموقف على نحو خطير"، محملاً سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تداعيات استمرار مثل هذه الجرائم والانتهاكات على الشعب الأعزل وأرضه. وصف المفتي أيضاً هذه الممارسات بأنها "إعلان لحرب دينية شعواء، يصعب تخيل عواقبها، وتندرج في إطار إطباق السيطرة على المسجد الأقصى، والتي تستفز مشاعر أكثر من مليار و700 مليون مسلم في العالم".

عمليات الاعتقال تصاعدت مع بداية شهر رمضان وبلغت ذروتها في 15 نيسان/ أبريل حيث نفّذت قوات الاحتلال عمليات اعتقال واسعة خلال اقتحام المسجد الأقصى طالت أكثر من 450

في سياق مسلسل الاعتداءات المتواصل، خسر الفلسطينيون/ات فجر الثلاثاء 19 نيسان/ابريل طالبة الثانوية العامة حنان محمود خضور التي كانت تبلغ 18 عاماً من العمر، في قرية فقوعة شمال شرق جنين.

الشابة حنان حمود خضور

تعقيباً على قتل حنان، شرح نائب محافظ محافظة جنين كمال أبو الرب "إن الشهيدة خضور قُتلت بدم بارد وهي بثياب المدرسة وكانت في داخل الحافلة التي تقلها يومياً لمدرستها الخنساء في مدينة جنين قبل أسبوع، إلا أن جنود الاحتلال باغتوها كما جميع السيارات الموجودة في المكان بإطلاق النار العشوائي صوبها ما أدّى لإصابتها برصاصات وتم اعطاؤها 30 وحدة دم وبالأمس استقر وضعها لكن فجر اليوم تعطّل قلبها بشكل مفاجيء وأُعلن عن استشهادها". شُيّعت حنان فجر الثلاثاء ووريت الثرى بمشاركة آلاف الفلسطينيين/ات.

تُضاف هذه الجريمة الشنيعة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في بيت لحم إلى جريمة أخرى أسفرت عن مقتل السيدة غادة سباتين الأسبوع الماضي، وهي أرملة وأم لستة اطفال في العقد الرابع من العمر. أطلقت قوات الاحتلال الرصاص صوبها من مسافة صفر أثناء سيرها في الشارع من دون أن تشكل أي خطر على أحد، ما أدى إلى إصابتها برصاصة في الفخد وبسبب التلكؤ في إسعافها ونزفها كمية كبيرة من الدم، توفيت.

غادة سباتين... جثة هامدة

أكثر من خمسين ضحية قصصهم مشابهة، ومئات الإصابات والانتهاكا، وما يقرب 3000 حالة اعتقال منذ بداية العام الجاري 2022، سُجلت في هجمة مستعرة لقوات الاحتلال التي تسعى إلى أن يفقد كل بيت فلسطيني محبوباً أو ملكاً، بالنهب أو القتل أو الاعتقال.

وسط هذا المشهد القاتم، كتب المحامي محمد عليان، والد المحتجز جثمانه بهاء عليان، على صفحته على الفيسبوك: "٣ أقمار في الفجر الأول من الشهر الكريم ولا يكف الطبل عن القرع. يكسر سكون الفجر، يرحل قارع، ويأتي قارع ويبقى النداء،  يا نايم وحد الدايم "، ١٠٢ قبراً فارغاً ينتظر الامتلاء،  ١٠٢ وردة في روضة  قبر تنتظر الارتواء... كل عام وأنتم على ناصية الأمل".

وكتبت والدة عبد الحميد أبو سرور المُحتجز جثمانه أيضاً، أزهار عبد الحميد: "كان فجر هذا اليوم قبل ستة أعوام مشعاً بنور وجهك الملائكي، هادئاً كهدوئك، نقياً كنقاء قلبك، ضاحكاً كوجهك البشوش، لم أكن أعلم أنه يخبّئ لي بداية جديدة لمشوار طويل من الفقد والاشتياق، من العزة والكبرياء، مشوار مليء بصور الكرامة، ودهاليز الخذلان. ما هنت يا ولدي ولم يفارقني الرجاء. فقد حملت نعشك وطفت في الأرجاء وزيّنت قبرك بالورود وعطّرته بالأوفياء. لكن كلماتنا ضاعت بين الكلمات وغطّى صوتنا ضجيج الشعارات ورنين الخطب وأرهقتنا كثرة الطعنات .اليوم يا ولدي اسمك هناك في قائمة تبدأ بك وتجاوزت المئة من الحسرات ولكنها ستبقى شاهداً على إجرام المحتل وتخاذل من ضلّ وصمود من لا يرضى الذلّ."

مصدر الصورة الرئيسية: "وفا"، وكالة الأنباء الفلسطينية. 

Exit mobile version