أرفقوا كلمة إجباري مع الحجاب حتى يتسنّى لنا الحديث عنه

الفظاعة تسهّل المرئية والتضامن. بمعنى آخر، إن ممارسات النظام الإيراني وإجرامه بحق النساء خصوصاً وشعبه عموماً، أمر قد يسهل رفضه لأنه شديد العنف والقسوة. أمّا الحجاب كحجاب، فقلما يتم التجرّؤ على نقده لأن في ذلك ما سيؤدّي إلى فتح نقاش أوسع سيطال إما فلسفة "الاختيار" المقدّسة، أو الدين المقدّس، أو حتّى الله ذاته...

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

بقلم غنى العنداري- كاتبة نسوية من لبنان

أمام جريمة قتل نظام المرشد وأجهزته لمهسا أميني واسمها الكردي "جينا" أي "الحياة"، وأمام إعدام عشرات الـ"مهسا" والـ"جينا" من بعدها، ظنّ بعضنا أن المدافعين/ات عن الحجاب ربما يكبحون أنفسهم هذه المرّة عن التبرير لوجوده ولمقولة إن "المشكلة في الممارسات القسرية والعنفية لا الحجاب". لكن بعضنا هذا كان مُخطئاً إذ اتّضح، مرة أخرى، أن هناك دائماً وقتاً للتبرير والردود والتغليف اللطيف، حتى من بعض النسويات اللواتي يروّجن لفكرة أن الحجاب شيئاً طبيعياً لمن تختاره، ولكن ليس لمن يُفرض عليها.

يُفهم من هذا المنطق أن لا بأس بالحجاب ما لم يكن إجبارياً، لكن طالما أنه مُلزِم وقسري في إيران، وكونها "سيرة وانفتحت"، فلنُرفق كلمة إجباري أو قسري أو إلزامي مع كلمة حجاب، فيتسنّى لنا إكمال الحديث والمسيرة النضاليّة تحت عناوين مُوحِّدة.

في التهليل للاختيار ومشتقّاته

بدايةً، لا بد من الوقوف عند نزعة معظم نسويات "تيّار الاختيار" (choice feminism) للتهليل لكل شيء وأي شيء تقريباً، طالما أن المرأة اختارته. ولا داعٍ لفهم كيف يخدم كل هذا التهليل قضايا النساء ومسيرة مواجهة القمع الذي يعشنه، ليوشك التهليل أن يصبح غايةً بحد ذاتها على نحو المذهب الأدبي البرناسي "الأدب للأدب" و"الفن للفن"، فيكون لدينا رديفه النسوي "التهليل للتهليل". وهذا الرديف يبدو وكأنه صار يشكّل حلاً سحرياً يجد فيه مؤيّدوه من نساء ورجال مخرجاً لأي مأزق. بمعنى آخر، به يحافظون على ماء الوجه مع الجميع، فلا يضطر أحد إلى الدخول في أي نقاش معقّد أو حسّاس أو تقسيمي، ويُسطّح كل موضوع شائك أو مؤذٍ للنساء ليصبح أكثر قبولاً، لا بل حتى تمكينياً في حال "اختارته" المرأة، ويكون سيئاً ومريعاً فقط حين يُفرض عليها. وهكذا، وبوضع كلمة "اختيار" ومشتقّاتها إلى جانب أي كلمة أخرى ينبغي تفكيك التمييز والعنف البنيوي فيها، يُسكَّت أي نقاش معقّد على أمل أن نعيش سعداء إلى الأبد.

قد تناسب معادلة الاختيار والفرض نساء كثيرات، على رأسهن نساء -ومنهن نحن اللواتي نسمّي أنفسنا نسويات- اخترن التماهي مع المنظومة الأبوية الدينية، على الرغم من أن التماهي هذا مع منظومة تسعى إلى قمعنا، يعني، بشكل أو بآخر، مشاركتنا باستمرارها. لكن لا بأس، على الأقل سيعني ذلك أيضاً أن المرأة منسجمة -أو اختارت الانسجام- مع منظومتها القيميّة والأيدولوجية. وهنا التناقض، في أن تكون المرأة حاملةً لواء النضال ضد النظام الأبوي من جهة، وراضية، ليس فقط برموز النظام الأبوي، لا بل بتصوّراته هو عن المرأة، من جهة أخرى.

في ما يلي واحدٌ من أبسط الأسئلة التي يمكن أن تُطرح في هذا الإطار: إذا شئنا أن نسلّم جدلاً بأنه يمكننا أن نناصر الشيء ونقيضه في آنٍ، وقبل أن ندخل في تفاصيل الحجاب وأصله، ألا تُستفزّ مدرسة التهليل للاختيار من أن يكون الحجاب، كما غيره من الفرائض، من نصيب النساء فقط؟

وإذا كانت هؤلاء النسويات ساعيات إلى تمكين الأفراد ليصبح بمقدورهم الاختيار، ألا يجب، ومن باب الاختيار فقط، أن يكون الحجاب خياراً متاحاً للرجال، فيما لو طبّقنا هذا المبدأ؟ حتماً، هذه الصورة، ولمجرّد تخيّلها، ستبدو مضحكة وغير واقعيّة، لأننا حالما نعكس الأدوار أو نطبّق القاعدة نفسها على الرجال، سيتضح تماماً أن أصل الفكرة يبقى تمييزاً واضحاً وضوح الشمس ضد النساء بشكل خاص. غير أنّ كلمة تمييز، على ما يبدو، لم تعد محبوبة اليوم كما في السابق. وما نفهمه مما سبق أنه ليس بإمكان النساء، في ظل نظام أبوي، أن يتخيّلن الرجال في موقعهن، فكيف بالأحرى أن يمتلكن السلطة ليفرضن ما شابه على الرجال؟ وللتوضيح، لستُ أقارن على اعتبار أنّ كل ما يُطبّق علينا كنساء يجب أن نطبّقه على الرجال، إنما نتحدّث هنا عن كل الحقوق، بما فيها الحق في التخلّي عن الرموز القمعية التي تتعامل مع أجساد النساء وشعورهن فقط كغرض ينبغي حجبه.

الاعتراف بالخوف فضيلة

الفظاعة تسهّل المرئية والتضامن. بمعنى آخر، إن ممارسات النظام الإيراني وإجرامه بحق النساء خصوصاً وشعبه عموماً، والجنوح الذي يصل إليه فقط لـ"تأديب" النساء، أمر يسهل استهجانه ورفضه لأنه شديد العنف والقسوة. أمّا الحجاب كحجاب، فقلما يتم التجرّؤ على نقده لأن في ذلك ما سيؤدّي حتماً إلى فتح نقاش أوسع قد يطال إما فلسفة "الاختيار" المقدّسة، أو الدين المقدّس، أو حتّى الله ذاته. وهذا نقاش لا رغبة لأحد في خوضه. لماذا؟ لأنّ هذا نقاش على الأغلب أنه لن يُختتم بعبارات معلًبة ومسطّحة تتسامح مع ممارسات ساعية إلى تكبيل النساء وإخضاعهن لتصوّرات ترى المرأة ناقصة وعورة. ولأن هذا نقاش على الأغلب أنه سيحتّم علينا الغوص في أصل فكرة الحجاب، مِن أين أتت؟ ماذا تمثّل؟ لماذا لا تزال تُطبّق على النساء؟ وما الأدوات التي استُخدمت لفرض الحجاب عليهن؟ ولمَ النساء أو شعورهن المنسدلة تشكّل تهديداً للنظام الأبوي، ولمَ الحجاب هو الذي يوفّر نوعاً من راحة البال لبعض النساء؟ وغيرها من الأسئلة...

قد يكون من الأجدى بنا إذاً الاعتراف بأننا خائفات من الإقدام على نقاش كهذا، لا بل قلقات من ثمن الاشتباك مع المنظومة الدينية الأبوية. فـ"جينا" (مهسا) قُتلت بمجرد تحدّيها -غير المقصود بالضرورة- لهذه المنظومة، فكيف ستكون حالنا نحن لو رحنا نطرق أبواب المؤسسات الدينية ومشايخها ومرشديها ونُقلق راحتهم بمعارضتنا ورفضنا لسلطتهم ومقدساتهم؟

لا شك في أن هذا الاعتراف سيُخسرنا راحة النضال بالقطعة أو القضيّة. أي النضال والاستنكار حيث يكون النضال سهلاً وشعبوياً، يسهّله الابتعاد عمّا يعود علينا بالهم وأوجاع الرأس. لكن في الحدّ الأدنى، من شأن اعتراف كهذا أن يجنّبنا الموارَبة والالتفاف حول كل ما هو واضح وجلىّ، ويريحنا من الصيغ الهجينة التي تجد قوالب مبهرجة تحت مسمّيات نسوية للاستمرار في قمع النساء.

قد يكون في ذلك بداية لشكل أصدق من المواجهة التي، وعلى مرارتها، لن تُزوّد النظام بالحجج الوفيرة التي يستخدمها ضدنا، وله منها ما يكفيه لقرون من الزمن. والأهم، أنها لن تجعلنا شريكات للنظام في مطالبتنا النساء أن يرتحن مع أشكال القمع وحسب، عوضاً عن الاستمرار في التفكيك والتصويب.

هل صار لزوماً أن نضع تنويهاً قبل كل كلمة نتفوه بها؟ أن نقول مثلاً إننا لا نقصد الإساءة إلى المحجبات أو نزع القوّة منهن حتى نستطيع الحديث عن الحجاب...؟

النسويات ضد المحجبات؟ مغالطة رجل القش...

أي نقاش يطال الحجاب وأي إقرار بحقيقة أنه ممارسة تمييزية وقمعية، نرى كيف تقابلها بشكل تلقائي ردود لن نضطرّ إلى قراءتها مرّتين لندرك أنها ليست سوى مغالطة رجل القش. ومغالطة رجل القش تحدث حين يقوم الطرف الثاني بمناقشة حجة لم يقدّمها أصلاً الطرف الأول، أي صاحب/ة الطرح، فيتحول النقاش من فكرة "أ" إلى فكرة "ب" التي لم يأتِ على ذكرها أصلاً الطرف الأول. لا تلبث بعض النسويات أن يعبّرن عن رفضهن للحجاب كأداة قمع ورمز تمييزي ذكوري، حتى يُتَّهمن من نسويات "الاختيار" تحديداً بنشر الكراهية والإقصاء والتمييز إزاء المحجّبات ووصمهن بالضحايا وتعيين أنفسهن في موقع المخلّص. والحقيقة أن هذين الاتهامين لا علاقة لهما بأصل رفض الحجاب كأداة يستخدمها النظام الأبوي في قمع النساء، لا من قريب ولا من بعيد. فمن البديهي بالنسبة إلينا أن يعني رفضُ القمع مناصرة الفئة المقموعة. والمقصود من هذا المبدأ الذي نؤمن به أن أي نضال اجتماعي أو سياسي يرفض سيطرة نظام قمعي ما، يرفضُه نصرةً للفئة المقموعة وإدراكاً للأذى اللاحق بها والذي قد يلحق بمَن حولها وبعدها وما سيرسّخ من أفكار وممارسات تمييزية في الحاضر والمستقبل.

يُلاحظ في المقابل كيف أن اتّهام بعض النسويات الرافضات للحجاب بوقوفهن ضد المحجبّات، لم يظهر كثيراً في قضايا أخرى. فمثلاً، لا يُتّهم شيوعيون/ات ويساريّون/ات ونقابيّون/ات بكره العمّال في رفضهم للنظام الرأسمالي المستغل للعمال، على رغم أن هناك عمّالاً يرضون بشروط عملهم وقد يبرّرون واقعهم بألف طريقة وطريقة. ولا تُتّهم المدافعات عن حقوق النساء الكارهات للعنف الأسري بأنهنّ يكرهن النساء المعنّفات، على رغم أن هناك نساء كثيرات يخترن البقاء في علاقات عنفيّة وهنّ مقتنعات في الكثير من الأحيان، أو راضيات بأن هذا هو نصيبهن وأن خيار البقاء هو الأفضل.

أما عن وصم المحجبات بدور الضحية... فهل صار لزوماً أن نضع تنويهاً قبل كل كلمة نتفوه بها؟ بأننا لا نقصد الإساءة إلى المحجبات أو نزع القوّة منهن حتى نستطيع الحديث عن الحجاب؟ لكن حسناً، فلنفعل ذلك ما دمنا نناقش الموضوع:

حتماً، في صفوف النساء عموماً، والمحجّبات ضمناً، نساء كثيرات متمكنات وطموحات ورائدات في مجالاتهن ولا يشكل حجابهن مشكلة لهن في سعيهن إلى تحقيق أحلامهن. لكن هذا الطموح أو هذه الريادة لا يُنسبا لحجاب المرأة، بل للمرأة ذاتها. أليس كذلك. وهذا لن يغيّر في المعنى المقصود من الحجاب الذي نشأ وترسّخ انطلاقاً من النظرة إلى المرأة كعورة وإلى شعرها كآفة من آفات الدنيا. هذا ما رمز إليه الحجاب في تاريخنا الحديث، لا المرأة نفسها.

لو كنا نعيش في نظام بديل لا تُصوّر فيه النساء على أنهن عورات ولا يعاملن وكأنهن في مرتبة أدنى من الرجال، عندها ربما سيمكننا الحديث عن ملكية المرأة الفعلية لجسدها وقدرتها على الاختيار الحرّ. حينها، إذا قررت النساء، ومن تلقاء أنفسهن، أن يغطّين شعورهن كنوع من الزي أو الموضة، وإذا اختاره الرجال أيضاً أو اختاروا أنواعاً وأزياءً أخرى، يمكننا أن نقول إن ذلك كان بالفعل خيار المرأة، وأن جسدها ملكها قولاً وفعلاً... ببساطة، لو لم يكن الحجاب وليد سياق ذكوري، ما كنّا لنبالي بما تفعل النساء برؤوسهن أصلاً.

أما بعد، عن تهمة وصم بعض النسويات للمحجبات بالضحايا، لماذا كل هذا الخوف من كلمة ضحية؟ صدقاً، لم نكن ضحايا منظومة تكرهنا وتسعى بشتّى السبل إلى قمعنا ومحونا، ما علّة وجودنا كنسويات أساساً وقد شهدنا بلحمنا الحي كيف يجعل منّا هذا النظام ضحايا ومشاريع ضحايا بشكل يومي؟

إنّ الهروب من هذا التعريف الواضح لموقع النساء ضمن الأنظمة الأبوية لا يخدم النساء، بل على العكس، قد يخدم النظام. لأننا إن لم نكن ضحايا قمع فيه -وهذا لا يعني أن لا حول لنا ولا قوة- فلا وجود لأي مشكلة، وبالتالي، ما من داعٍ لتغيير واقع النساء أو السعي إلى خلق واقع جديد.

في ختام قصّة "رجل القش" لدى اتهام بعض المناضلات بالفوقية لا بل بكره المحجبات، نرى إذاً كيف تأتي الردود على موضوع الحجاب، ليس على تحليله بوصفه فريضةً تُفرض حصراً على النساء ووجهاً من أوجه النظام القمعية الذي ضايق محجّبات كثيرات في السرّ أو العلن؛ بل يأتي الرد على مسائل لم تذكرها حتّى الناقدات للحجاب أصلاً. وهذا ما يساهم، أولاً، بتشتيت الانتباه وطمس أي محاولة جدية لمعالجة موضوع الحجاب نفسه، ويقدّم، ثانياً، هديةً على طبق من فضّة مغلّفة بغلاف نسوي للمنظومة الدينية الأبوية. فعوضاً عن مواجهة رجال الدين أصحاب الأصوات الملعلعة، يتم كسب معارك ومواجهات افتراضية مع نساء أخريات، لأنه في آخر المطاف، أسهل ما يمكن فعله هو شيطنة بعض النسويات ومهاجمتهن في تكرار مألوف جداً لمواجهة الذكوريين لهن.

لو لم يكن الحجاب وليد سياق ذكوري، ما كنّا لنبالي بما تفعل النساء برؤوسهن أصلاً...

محاضرات بمراعاة المشاعر والرقابة على الكلمات

على صعيد آخر، يُلمس تململ في الأوساط النسوية اللبنانية وسواها من الأوساط لدى التطرق إلى موضوع الحجاب أو غيره من المواضيع الجدلية، وهذا التململ لا يلبث أن يتحول إلى أداة رقابة. قد يكون أصل هذا التململ حسنُ نية، مدفوعة بالحرص على ألّا تشعر النساء المحجبات بأنهن مُهاجمات. يُضاف إلى أسبابه أيضاً الحرص على مفهوم الشمولية (Inclusivity) والمقصود بذلك المساحات الجامعة التي لن لا تشعر فيها المحجبات بإقصاء، لا سيما عن المساحات النسوية. ويُضاف إلى أسباب التململ أيضاً الغيرة على الحق في الاختيار، والذي عادةً ما يؤخذ بشكله المجرّد من أي تحليل واقعي لما يعنيه الاختيار فعلياً على الأرض.

من المفيد التذكير هنا بأنّ معالجة قضية الحجاب تُحتّم وضع المحجّبات في صلب النقاش، وهذا بحد ذاته فعل مناقض للإقصاء. لكن لا بد من التمييز، هنا أيضاً، بين ما هو جامع وما هو مهادن. يمكن لمساحاتنا وحركاتنا أن تكون جامعة للنساء كافة، على اختلاف انتماءاتهن ومعتقداتهن، لكنها تتوقف عن أن تكون حركة نسوية واضحة المعالم عندما تبدأ بالتجمّل والتلطيف والمهادنة وتتحول إلى صالون مسايرة. فلا الحديث عن الحجاب تابو، ولا الحديث عن إعلانات تسليع النساء تابو.

لا جدوى من أي حركة نسوية أو سياسية تسعى إلى تجميل واقع إشكالي، وليس واجب النسويات أن يكنّ لطيفات (أليست مطالبة النساء باللطف بحد ذاتها تكتيكاً ذكورياً آخر؟). ومواجهة أي منظومة قمعية تتطلب وبشكل أساسي كلمة مفتاح: الوضوح.

على أقل تقدير، يجب أن تكون الحركة النسوية مكاناً تستطيع النساء في رحابه أن يفكّرن في واقعهن، لا مكاناً يُطمس فيه أي نقاش خلافي ويضع قيوداً على الكلمات المسموح استخدامها ويحصر الحديث بالقضايا التي لا تهدّد "السلم الأهلي" النسوي.  ستُطرح أسئلة ليست بالضرورة لطيفة أو مستحسنة، وقد تزعزع الأمان النفسي والأمان الفكري اللذين نجدهما في المعتاد الذكوري. الحركة النسوية يجب أن تشكك في قبولنا بممارسات معينة، وتفرض علينا مواجهة غير مريحة وغير لطيفة مع أنفسنا اولاً، ومع رعاة هذه الممارسات من رجال ورجال دين ومؤسسات، ثانياً.

في الختام، تجدر الإشارة إلى أننا لسنا بحاجة إلى محاضرات بالمراعاة والحرص على المشاعر ليتسنى لنا الحديث عن الحجاب كقضية نسوية. قد يفوت الكثيرات من النسويات الحريصات أكثر من غيرهن على كيفية استخدام الكلمات والمشاعر -ولا ضير في ذلك بالمطلق- أن النسويات المناهضات للحجاب بجميع أشكاله لا القسري منه فقط، هن أيضاً محجبات أو محجبات سابقات خضن ما خضنه من معارك شاقة وتلقّين نصيبهن من الكراهية الذكورية.

النسويات اللواتي نراهن ينتقدن اللواتي يسائلن الحجاب غالباً ما يستجلبن خطابهن من "النسويات البيض" وواقعهن اليومي، لا واقعنا. قد يكون ما سأقوله مستغرباً لدى بعض الأشخاص، لكن حقاً، للنساء قدرة على التفكير والتحليل وبناء المواقف من تلقاء أنفسهن ومن دون أن يمليها عليهن أحد. وهذا الإسراع في اتّهام كل قضية نسوية لا تجتاز اختبار الشمولية على أنها حديث النسويات البيض، قد يحيلنا في الواقع إلى ما سمعناه من رجال دين يصعب تعدادهم لكثرتهم عن "تهديد الغرب لقيمنا ومجتمعنا وتقاليدنا".

ثم ماذا وإن كان للنسويات البيض المقصودات رأي في الحجاب- ولست غافلة لتاريخ الاستعمار والفروقات بين النساء- لكن هل تحتاج النساء والنسويات لانتماء معيّن ليُبدن آراءهن في قمع نساء أخريات؟ لا أرانا أخذنا إذناً من الأمريكيات لنبدي رأينا في قرار حظر الإجهاض الذي طال ولايات عدة، ولا أرانا نأخذ الحيطة والحذر من إبداء رأينا في وضع الإيرانيات والأفغانيات. ونعزو ذلك لإدراكنا الواضح للقمع حين نراه. علنا نبدأ بالحديث عنه بصدق وصراحة، أي من دون أن نخدع أنفسنا بأنه مجرّد خيار، أو حسنٌ للنساء اللواتي يخترنه.

Exit mobile version