الدستور التونسي2022 : قنبلة موقوتة أمام النساء؟

اعتُمد في 25 تموز/يوليو 2022 دستور تونس الجديد. لكن وراء الأغلبية التي أقرّته، تختبئ نسبة70 % من الممتنعين/ات عن التصويت، من بينهم نساء كثيرات انتابهن القلق جرّاء تراجع الحقوق والحريات التي تم كشفها في القانون الجديد.

Couverture de l’analyse publiée par Aswat Nissa

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية)

في 30 حزيران/يونيو 2022، نُشر في الجريدة الرسمية التونسية دستور الرئيس قيس سعيد الذي يلغي الدستور الصادر عام 2014 ويحلّ بديلاً عنه. مذذاك، والبيانات والمواقف والتحركات لم تتوقف في تونس. والهدف من كل هذه التعبئة كان الوقوف في وجه نص "خطير على النساء"، تمّت صياغته بطريقة أحادية، ومن دون مشاورة هيئات المجتمع المدني المعروفة بإنجازاتها ومساهماتها في تاريخ البلاد، ومنها الجمعيات النسوية.

منذ نشره، أثار الدستور الجديد حركة جدل واسعة ومتنوعة المصادر في بلد كان قانون الأحوال الشخصية فيه الذي صدر في آب/أغسطس 1956 منع تعدّد الزوجات و"خلع" الزوجة، فشكّل نموذجاً لسائر الدول العربية وذات الأغلبية الإسلامية. للحظات "نسي" قيس سعيد تكريس إمكانية ترشح المرأة لمنصب رئيس الجمهورية، فعاد وتراجع عن هذه "الهفوة" في النسخة الأخيرة من القانون الأساسي الصادر في 8 تموز/يوليو 2022. قام أيضاً بحذف الملاحظة المتعلقة "بالأخلاق الحميدة" كشرط إلزامي لممارسة الحقوق والحريات. هل كانت تلك غلطة بالفعل، أم ثمرة تفكير عميق من رئيس عُرف عنه توجّهه المحافظ وخطّه الشعبوي؟

الشريعة أو عودة "الشياطين القديمة"

لم تنجح التعديلات التي تمّت في الدقيقة الأخيرة في طمأنة جمعيات نسوية وحقوقية عدة حول مستقبل التونسيات في ظل دستور يذكر الإسلام ضمن مواد عدّة فيه. يذكر قاعدة أن "تونس دولة مدنية" التي أكّدها الفصل الثاني من الدستور الصادر 2014  الذي كان يقف في وجه أي إمكانية لإقامة دولة ذات طابع ديني. لكن قيس سعيد أعاد الحياة إلى النقاش حول الهوية الذي طبع القسم الأول من الفترة الانتقالية وأيقظ "الشياطين القديمة" التي تنادي بالعودة إلى الشريعة الإسلامية.

إزاء هذه الدعوات المتصاعدة، كان لجمعية "أصوات نساء" مواقف وردود فعل غاضبة إزاء نص الرئيس، فنشرت في 21  تموز/يوليو تحليلاً فسّرت فيه أسباب هذا الغضب، وأعربت عن قلقها من التغييرات المقترحة التي يمكن أن تلغي الخطوات الحثيثة التي تمّت منذ عشرات السنين في مجال حقوق النساء والحريات وحماية الأقليات، والتي كانت نتاج معارك خاضتها أجيال كاملة من التونسيات والتونسيين.

غلاف التحليل الذي نشرته "أصوات نساء"

بالنسبة لسارة مديني، وهي محللة سياسية ومسؤولة عن ملف النساء ضحايا العنف في جمعية "أصوات نساء"، تظل المسألة الأكثر أهمية المطروحة اليوم هي تلك التي تتعلق بالمادة الخامسة من الدستور الحديد والتي تنص على أن: "تونس جزء من الأمّة الإسلامية. وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية".

في هذا الإطار، تتساءل مديني، "هل يمكن الخلط بين مقاصد الإسلام ومقاصد الشريعة؟ وبحسب أي تيار ديني إسلامي سوف يتم تأويل مقاصد الدين؟ هل سيكون ذلك بالإرجاع إلى إسلام الانفتاح أو إسلام الفترات الزمنية الأكثر قتامة؟ إن ذلك يخلق غموضاً ويفتح الباب أمام تفسيرات واسعة تهدّد وضع النساء والأقليات". 

ماذا عن الاتفاقيات الدولية التي وقّعتها تونس؟ 

قدّمت يسرى فراوس، الرئيسة السابقة "للجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات" مداخلة في النقاش الذي نظمته جمعية "أصوات نساء" عبّرت خلالها أيضاً عن قلقها من هذا الربط بـ"مقاصد الإسلام" الذي اعتبرته "قنبلة موقوتة". وقالت،

"إن الرئيس قيس سعيد أغفل أي إرجاع إلى الاتفاقيات الدولية التي تمثل بالنسبة لنا حاجزاً يحمي حقوق الإنسان، ذلك أنه لا يؤمن بالحقوق الفردية ولا بالمساواة الجندرية. فقد استبدل هذا الإرجاع للقانون الدولي بمقاصد الإسلام".

أما حفيظة شقير، الحقوقية وعضو "الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات"، فنشرت مع اختصاصية علم الاجتماع فتحية السعيدي دراسة عنوانها "قراءة في مشروع الدستور التونسي2022 : مقاربة على ضوء حقوق الإنسان وحقوق النساء".

تشارك شقير يسرى فراوس رأيها بالكامل، وتقول: "من خلال إلغاء أي اثر للطابع الكوني لحقوق الإنسان، ومن خلال تأكيد الطابع الديني في نصه الدستوري، يقدم قيس سعيد للإسلاميين ما حلموا به ولم ينجحوا في تحقيقه لا في عام 2011 ولا 2014".

ترى شقير أن "مقاصد الإسلام اكتسبت بفضل ذلك قيمةً دستورية، الأمر الذي قد يتيح للرئيس إلغاء مُنجزات عدّة انتزعتها النساء التونسيات، مثل إلغائهن منشور عام 1973  عام 2017، وكان هذا المنشور يمنع حتى ذلك التاريخ زواج التونسيات مع غير المسلمين.

"بدون ديموقراطية، لا حقوق للنساء"

ما يزيد من قلق يسرى فراوس هو أيضاً السلطات الواسعة التي يعطيها الدستور الجديد لرئيس الجمهورية فيصبح بموجبها السيد الوحيد والمطلق للبلاد في حين أنه "بدون ديموقراطية، لا حقوق للنساء"، كما تجزم فراوس.

يعطي القانون الجديد الأساسي صلاحيات واسعة لرئيس الدولة، ما يقطع أواصر الصلة مع النظام البرلماني الذي كان سائداً منذ عام 2014. فرئيس الجمهورية الذي لا يمكن خلعه الآن، هو الذي يعيّن رئيس الحكومة والوزراء ويستطيع أن يطردهم على هواه. وهكذا، لا يعود هناك وجود للسلطات المعارضة التي بمقدورها الوقوف في وجه هذا السوبر-رئيس الذي يحتكر السلطة.

تنص المادة 120 على أن القضاة أيضاً يعيّنهم الرئيس، ما يمسّ، وبشكل مباشر، باستقلالية السلطة القضائية التي ستتحول جرّاء هذه المادة إلى مجرد "وظيفة". وبذلك، أصبح لتونس رئيس محافظ يحتكر السلطة وله أن يحدد من يديرها ومن يشرّع لها ومن يقاضي باسمها. رئيس "أبوي" بامتياز.

Exit mobile version