"المضايقة القانونية" كأداة لترهيب الصحافيات: "الرسالة واضحة، إما الإنصياع أو مواجهة غضب السلطة"

تتصدر تركيا دول العالم من حيث عدد قضايا المضايقة القانونية ضد الصحافيات، تليها الهند وروسيا والصين. تقول جيرين إسكيت من ائتلاف النساء في الصحافة: "تتعرض الصحافيات التركيات للمضايقة والترهيب من خلال ما يُعرف الدعاوى القضائية الكيدية، حيث تشكّل العملية القضائية بحد ذاتها عقاباً".

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

بقلم أوفغو بينار- صحافية تركية

بحسب تقرير أعدّه ائتلاف النساء في الصحافة (CFWIJ)، تسجّل تركيا أعلى نسبة من قضايا "المضايقة القانونية" ضد النساء الصحافيات. فحوالي 80% من إجمالي الدعاوى القضائية الموثقة ضد الصحفيات حول العالم في 2022 حصلت في تركيا.

تشكّل الدعاوى القضائية الاستراتيجية ضد المشاركة العامة (SLAPP) جزءاً مهماً من هذه المضايقات القانونية، علماً أنّ الهدف منها تخويف المنتقدين/ات وإسكاتهم. هي ببساطة نوع من أنواع الدعاوى القضائية التي تهدف إلى ردع حرية التعبير لا سيما عند تُطرح مسائل تتعلق بالمصلحة العامة. تمثل هذه الدعاوى تهديداً فعلياً يطال واجب حماية حرية الوسائل الإعلامية الأكثر تعددية ويحول دون "توفير بيئة مؤاتية للمشاركة في النقاش العام"، وفق ما جاء في تقرير تم إعداده بطلب من البرلمان الأوروبي.

من خلال أشكال المضايقة القانونية مثل الدعاوى القضائية الاستراتيجية ضد العامة، والتي تقيمها جهات فاعلة مؤثرة مثل مؤسسات الدولة أو المسؤولين الحكوميين أو المنظمات أو الأشخاص المرتبطين بالدولة، تصبح "العملية القضائية في حد ذاتها بمثابة عقاب"، بحسب جيرين إسكيت، منسقة الأبحاث في منظمة CFWIJ.

في إشارة إلى "الاستهداف الصريح و الممنهج للصحافيات"، تقول إسكيت إن "المضايقة القانونية هي من بين الانتهاكات الأكثر شيوعاً التي تُمارس ضد الصحافيات. وتشمل الانتهاكات الشائعة الأخرى الاعتقالات وحملات التصيد المنظمة والهجمات خلال العمل الميداني". وتضيف قائلة: "الرسالة واضحة: إما الإنصياع أو مواجهة غضب السلطة".

تأسست منظمة CFWIJ في عام 2017، وهي شبكة دعم تدعم حقوق الصحافيات حول العالم، وتهدف إلى سد الفجوة بين الجنسين في ما يتعلق بحرية الصحافة. أطلقت CFWIJ مشروع حرية الصحافة في غرف الأخبار في عام 2019 وهو يضم 128 دولة ويتضمن تسجيل الانتهاكات ضد الصحافيات من خلال إعداد تقارير دورية.

في مقابلة مع "ميدفيمينسوية"، تحدّثت منسقة الأبحاث في CFWIJ، جيرين إسكيت، عن الوضع الحالي في تركيا.

- وفقاً لآخر تقرير بعنوان "وضع حرية الصحافة لدى النساء الصحافيات" الصادر عن CFWIJ، تحتل تركيا المرتبة الأولى من حيث عدد القضايا القانونية المُقامة ضد الصحافيات. هل يمكنك شرح نوع هذه القضايا؟


- تأتي المضايقات القانونية في مقدمة القضايا التي نوثقها وللأسف تحتل تركيا الصدارة في هذا الصدد، تليها الهند وروسيا والصين. منذ بداية عام 2022، وثقّنا ما لا يقل عن 49 دعوى قضائية مختلفة ضد الصحافيات حول العالم. وحوالي 80% من هذه القضايا تم تسجيلها في تركيا، ومنها 33 قضية جنائية ضد صحافيات وستة دعاوى مدنية بما فيها دعاوى قضائية استراتيجية ضد المشاركة العامة. تتم مقاضاة الصحافيات إما بسبب تحقيقاتهن الصحفية أو منشوراتهن على وسائل التواصل الاجتماعي. ويتضح أنّ أبرز القوانين التي يُساء استخدامها لمضايقة الصحافيين/ات، كما هو الحال في تركيا، هي قوانين لمكافحة الإرهاب أو قوانين التشهير حيث يتم اتهامهم/هن "بالانتماء إلى منظمة إرهابية" أو "نشر دعاية إرهابية" أو "الإضرار بسمعة" شخصية رفيعة المستوى. وبالطبع، هناك الدعاوى القضائية الاستراتيجية ضد المشاركة العامة التي رفعها أشخاص ذوو نفوذ ضد صحفيات بصفة فردية.

- هل يمكن أن توضحي طبيعة ممارسة "المضايقة القانونية"، أي ما هي العناصر التي تحدد المضايقة في القضايا القانونية؟

- المضايقة القانونية هي عندما تتم إساءة استخدام القانون عمداً كسلاح ضد الصحافيين/ات لمنعهم من إعداد تقارير مستقلة أو ناقدة. تتعرض الصحافيات للمضايقة والترهيب من خلال الدعاوى القضائية الكيدية، حيث تكون العملية القضائية بحد ذاتها بمثابة عقاب، سواء أكان ذلك من خلال الدعاوى القضائية الاستراتيجية ضد المشاركة العامة، أو التهم الجنائية الملفقة المقدّمة مباشرةً من الدولة أو من خلال المؤسسات أو الأشخاص المرتبطين بالدولة.

يختلف شكل المضايقات من حالة إلى أخرى. فقد يتم اللجوء إلى الاعتقالاتالتعسفية والاستدعاء المتكرر للتغرير وملاحقة المدعى عليهم خلال عملية التحقيق، أو الاحتفاظ بالشكاوى أو الشهود سراً، أو عدم إتاحة الوصول القانوني إلى هذه المعلومات، وفي كثير من الأحيان لا يتم الإفصاح عن التهم المحددة أيضاً. وأخيراً عندما تبدأ المحاكمة، يعترض مسارها عدة تأخيرات أو تغييرات في اللحظة الأخيرة من هيئة المحكمة، وتُفرض شتى القيود وينتهي الأمر غالباً بإنكار ممنهج للعدالة. في مثل هذه القضايا، حتى إذا لم يتم إصدار حكم بالإدانة، يكون الصحافيون/ات تعرّضوا لنسب عالية من الاضطهاد بهدف أن يفهموا أن السلطات ليست راضية عن مراسلاتهم. ولا تهدف هذه العملية إلى إسكات الصحافيين/ات كأفراد فحسب، بل أيضاً إلى إعاقة العمل الصحافي المستقل لصحافيين/ات ووسائل إعلام إخبارية. إنّ مداهمات منتصف الليل، والاحتجاز السابق للمحاكمة، وحتى السجن بأمر من المحكمة، هي من بين الممارسات الشائعة في مثل هذه التحقيقات القانونية التي يخضع لها الصحافيون/ات. تتعاطى المحكمة مع المتهم/ة على أنه مجرم وقد تفرض عليه حظر سفر أو قيود قضائية أخرى، لا سيما في القضايا المرفوعة بموجب قانون مكافحة الإرهاب. وفي تركيا على وجه الخصوص، لاحظنا أنه غالباً ما تُصدر المحاكم أحكاماً بالسجن مع وقف التنفيذ فضلًا عن الإدانة. وفيما تسمح هذه العقوبة للصحافيين/ات بتجنّب دخول سجن، غير أنها تظل تحوم حولهم كخطر محدق. عندما ننظر إلى أساليب المناورة هذه ككل ونقيّمها، نلاحظ الاستهداف الصريح والمنهجي للصحافيات. هذه العملية هي ما نسميه "المضايقة القانونية". الرسالة واضحة، إما الإنصياع أو مواجهة غضب السلطة.

- من هم أبرز مرتكبي هذه الانتهاكات أو الجهات المدّعية في مثل هذه القضايا القانونية؟

- يعتمد ذلك على طبيعة الدعوى، سواء أكانت مدنية أو جنائية. تهدف معظم حالات المضايقة القانونية إلى استهداف الصحافيين/ات الذين ينتقدون سياسات الحكومة سواء من خلال مراسلاتهم أو منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. من هذا المنطلق، يكون المرتكبون الرئيسيون لهذه الانتهاكات غالباً موضوع هذه التغطية الصحفية. ويشمل ذلك مؤسسات الدولة وكبار المسؤولين الحكوميين والأشخاص المقربين من هؤلاء المسؤولين والنخبة الاجتماعية والاقتصادية. وغالباً ما يكون المدعون من السياسيين ورجال الأعمال وممثلي المناقصات والأشخاص المرتبطين بمن هم في السلطة. في قضايا الإرهاب أو قضايا التشهيرعلى وجه التحديد، نلاحظ كيف أن أجهزة الدولة تتحرك ضد الصحافيات على أساس فردي.

صحيح أن للمضايقات القانونية وطأة أكبر على صحافي أو صحافية واحدة، بيد أننا غالباً ما نجد أنه أساليب مماثلة تُتّبع لاستنزاف موارد المنشورات المستقلة الصغيرة

- هل يُظهر بحثك وجود نمط متكرر تتّبعه هذه الانتهاكات ضد الصحافيات تحديداً؟

نعم، تُعتبر المضايقة القانونية من بين الانتهاكات الأكثر شيوعاً التي تُمارس ضد الصحافيات. وتشمل الانتهاكات الشائعة الأخرى الاعتقالات وحملات التصيد المنظمة والهجمات خلال العمل الميداني.

منذ بداية هذا العام، رصدنا 49 دعوى قضائية مختلفة ضد صحافيات حول العالم. وفقًا للبيانات التي جمعناها من حوالي 30 دولة مختلفة منذ بداية عام 2022 حتى الآن، تعرّضت 19 صحافية لشكل من أشكال الاحتجاز، وتعرضت 13 صحافية للهجوم من خلال حملات التصيد عبر الإنترنت أو محاولات الافتراء المنظمة، وتم عرقلة عمل 11 صحافية في الميدان. تتعرض الصحافيات أيضاً لتمييز واضح على أساس الجنس، سواء من قِبل زملائهن المراسلين - عادة من الذكور الذين يقللون من شأنهن من خلال التلميح إلى أن المرأة ليست "قوية" بما يكفي لحمل معدات الكاميرا- أو عندما تستبعد غرف الأخبار النساء من بعض التغطيات الإعلامية بحجة المخاوف الأمنية، أو عندما تُستهدف الصحافيات من قِبل رجال معنّفين وفئات معادية لهن، بما في ذلك الشرطة، أو عبر الإنترنت، باستخدام الخطاب المتحيز ضدهن. في مثل هذه الحالات، يمكن استخدام أي ذريعة ضد الصحافيات، من الاختلافات الجسدية إلى الحالة الاجتماعية أو قرار الإنجاب وغيرها.

في حالة المضايقات القانونية، لا سيما في الدعاوى القضائية الاستراتيجية ضد المشاركة العامة، حيث يطالب المدعي بالتعويضات، يتم تحميل الصحافي أو الصحافية عبئاً مالياً هائلًا. على سبيل المثال، في القضية المرفوعة ضد الصحافية شيديم توكر، حكمت المحكمة لصالح المدعي وفرضت عليها غرامة قدرها 30 ألف ليرة تركية (أكثر من 2000 دولار أمريكي) كتعويضات عن أضرار غير مادية لمؤسسة T3 Foundation.

تم رفع الدعوى ضد شيديم رداً على مقالها في صحيفة "سوزجو" اليومية بعنوان "خدمة للمؤسسة من تقرير بلدية اسطنبول"، حيث كشفت عن مخالفات متعلقة بميزانية بلدية اسطنبول. بعد نشر المقال في شباط/فبراير 2019، قدم محاميا مؤسسة T3 Foundation، عبد الله دميرجان وسيركان كايا، شكوى أمام المحكمة الابتدائية في اسطنبول للمطالبة بتعويضات. وجاء في الالتماس أنه "من الضروري التشكيك في وطنية الصحافية التي كتبت هذا المقال والمحررين الذين نشروا مقالتها". بعد محاكمة استمرت لأكثر من ثلاث سنوات، غرّمت المحكمة شيديم. تشكل القضية بحد ذاتها والغرامة المالية المفروضة على شيديم أحد أشكال الردع لها ولغيرها من الصحافيين/ات لمجرد أدائهم وظيفتهم.

من المعروف أن مهمة الصحافي/ة تتمثل في مساءلة السلطة وفضح أخطاء المسؤولين الحكوميين والشخصيات المؤثرة بطريقة مسؤولة. ومع ذلك، أصبحنا نلاحظ في كثير من الأحيان أن القانون بات يُستخدم كسلاح ضد الصحافيين/ات الذين يكشفون عن مثل هذه المخالفات، أو الفساد في هذه الحالة، بدلًا من معاقبة الجريمة المزعومة التي يبلّغ عنها الصحافيون/ات. في مناخ كهذا، يصعب على الصحافة المستقلة البقاء والمواجهة بخاصة عندما يتم التشكيك بالإبلاغ عن الحقائق والتعامل معه على أنه جريمة. حتى في حال عدم إدانة الصحافي/ة، يصدر القرار بعد مسار قضائي مليء بالكيدية ينطوي بصورة أساسية على استدعاءات متكررة، وتأخير للمحاكمة وتكاليف اجتماعية واقتصادية وقانونية يتحملها الصحافيون/ات لمجرد الادعاء عليهم.

يُظهر هذا الأمر نمطاً من الجلي أنه مصمّم لاستنفاد موارد الصحافيين/ات وترهيبهم وإجبارهم على الصمت. صحيح أن للمضايقات القانونية وطأة أكبر على صحافي أو صحافية واحدة، بيد أننا نجد غالباً أنه يتم اتباع أساليب مماثلة واستخدامها لاستنزاف موارد المنشورات المستقلة الصغيرة.

- ما هي بعض الأسباب التي يمكن أن تفسر استهداف الصحافيات، وإلى أي درجة يمثل ذلك محاولة لتخويفهن؟ ما الدور الذي يؤديه التمييز على أساس الجنس في هذا الإطار؟

من أبرز المشاكل التي تواجهها الصحافيات هي عدم تأمين ظروف متساوية لهن مع زملائهن الذكور. وغالباً ما تعاني الصحافيات العاملات في الميدان تمييزاً مبنياً على عصبية الجنس. على سبيل المثال، قد تتعرض الصحافية التي تغطي مؤتمراً صحفياً للتمييز الجسدي مقارنة بزميلها. إذا أرادت صحافية طرح أي سؤال، تُعطى الأولوية لزميلها، أو حتى إذا جاءت امرأة لتصوير المؤتمر، يقف المصورون الرجال في الصف الأمامي، ما يمنع الصحافية بشكل مباشر من إكمال المراسلة والوصول مباشرة إلى الحدث أو المصدر. وقد تفضّل غرف الأخبار عدم إرسال الصحافيات لتغطية مناطق معيّنة لأسباب أمنية. بعبارة أخرى، ورغم أن الصحافيات قادرات على أداء مهام تتجاوز هويتهن "الأنثوية" المتعارف عليها، لا يزال عملهن خاضعاً بوضوح للعقلية الأبوية.

على سبيل المثال أيضاً، عندما تذهب الصحافيات لإجراء مقابلة، قد يتعرضن للمضايقة من قِبل الشخص الذي يقابلنه. ولا يسعنا حصر هذه المسألة بالصحافيات اللواتي يعملن في الميدان فقط. إلى ذلك، تدفع عوامل عدة صحافيات لترك عملهن، مثل ساعات العمل وعدم المساواة في الرواتب والهويات المعيارية التي تُخصص لهن. تتعرض العديد من النساء لمضايقات في الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية التي يعملن فيها ولا يمكنهن الإبلاغ عن هذه المضايقات بسبب الخوف من فقدان وظيفتهن. أستطيع أن أقول إنه يُتعمّد الإبقاء على الصحافيات في الظل في جميع الظروف وتتم إعاقتهن من أداء عملهن. باختصار، التمييز الجندري هو أكبر قضية تواجه الصحافيات اليوم.

Exit mobile version