نوال السعداوي: "أنا أكثر تحرّراً من سيمون دو بوفوار"

تكريماً لمسيرة نوال السعداوي كامرأة متمردة تملك شجاعة منقطعة النظير وفكراً ثورياً يتحدى المحرّمات، كتبت الحقوقية النسوية التونسية حفيظة شقير مؤلفاً قصيراً يحمل عنوان "نوال السعداوي، مجموعة نصوص"، نقدّمه ما في ما يلي.

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

في كتابها "نوال السعداوي، مجموعة نصوص"*، تقف حفيظة شقير مطوّلاً عند الأفكار والنصوص الأساسية للسعداوي، الطبيبة النفسية والكاتبة الملتزمة منذ الخمسينات بمعركة تحرير النساء في بلادها، والتي توفيت في 21 آذار/ماري 2021. وتُعد السعداوي علَماً من أعلام الالتزام من أجل حفظ كرامة النساء، وكان لها تأثيرها الواضح في الحركة النسوية التونسية المستقلة منذ ظهورها في نهاية السبعينات.

وُلدت نوال السعداوي في عام 1931 في قرية في شمال القاهرة، وقد خضعت لعملية ما يُعرف بالختان، أو تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، عندما كانت في السادسة من عمرها وستكتب عن تلك التجربة لاحقاً:

"بسبب هذا الألم الشديد وتلك المذلّة صرت ناشطة نسوية. إنه ليس خياراً وإنما غريزة للبقاء على قيد الحياة".

هذا الحدث الذي سيؤثر فيها مدى العمر أعطاها أيضاً القوة اللازمة للقيام بعدة حملات من أجل محاربة هذا الوباء. ذلك أن الختان كما تؤكد هو "أداة تُستخدم لقمع النساء". في العاشرة من عمرها، حاولت عائلتها أن تزوّجها، لكنها عارضت ذلك بشراسة، وقد وقفت أمها إلى جانبها. في عام 1981، تم الحكم عليها بعقوبة السجن ثلاثة أشهر في سجون الرئيس السادات لأنها انتقدت القانون الذي أصدره عن الحزب الواحد. وفي سنوات التسعينيات، تم نفيها فذهبت لتعيش في الولايات المتحدة. وقد عانت طيلة سنوات عديدة من الاضطهاد الذي مارسه عليها دون هوادة رجال الدين الذين كانوا يعيبون عليها كونها تحثّ النساء العربيات على أن تعشن حياتهن الجنسية بشكل كامل.

عندما تختلط السيرة الذاتية بالمتخيل

استقت نوال السعداوي مادة كتاباتها من حياتها الشخصية ومن لقاءاتها ومعرفتها بالمجتمع المصري، وأيضاً من مهنتها كطبيبة مارست المهنة في الأرياف لفترة طويلة. وتتراوح هذه الكتابات ما بين السيرة الذاتية وبين المتخيل، وتمتد أكثرها أهمية على زمن طويل: مذكرات طبيبة (1958)، المرأة والجنس (1969)، الوجه الخفي لحواء (1977)، الحجاب (1978)، مذكرات من سجن النساء (2002).

في مقدمة "مذكرات من سجن النساء" - وهو كتاب ألفته السعداوي في السجن وكتبته على ورق التواليت بقلم تخطيط الحواجب أهدتها إياه إحدى النساء المسجونات بتهمة "الدعارة". تذكر حفيظة شقير أن السعداوي تؤكد أن الكتابة هي السلاح الوحيد الذي تمتلكه لكي تدافع عن نفسها، وتدافع عن حريتها وحرية الآخرين.

"سوف أكتب، وسأتابع الكتابة حتى ولو دفنوني، وحتى لو صادروا قلمي وأوراقي، سأكتب على الجدران، على الأرض، على الشمس وعلى القمر"

في عام 1981، كرّست مجلة تايم الأميركية غلافها لنوال السعداوي واعتبرتها في تلك السنة واحدة من بين المئة امرأة الأكثر تأثيراً. وقد تلقت طيلة حياتها عدة أوسمة ما أدى إلى مقارنتها بشكل متكرّر بسيمون دو بوفوار".

"لا، لا أريد أن يتم ربطي بسيمون دو بوفوار"، تقول السعداوي معترضة. وتشرح في مقال تقتبس منه حفيظة شقير جملة: "سيمون دو بوفوار كانت تشعر بالغيرة وكانت مهووسة بسارتر. أنا أكثر حرية منها بكثير".

الحجاب والعري

من بين الأفكار التي دافعت عنها السعداوي والتي شكّلت جوهر فكرها النسوي، مسألة الحجاب وعكسه أي العري. تُعارض الطبيبة النفسية ارتداء الحجاب مؤكدة أن تلك اللافتة التي رفعها الإسلاميون تمثل "رمزاً سياسياً خطيراً لعبودية المرأة. لماذا تغطون رأس المرأة؟ رأس المرأة هو شرفها وكبرياؤها". وبما أن الحجاب حسب ما يقولون يسلّح المرأة ضد شهوات الرجل، فإنه يجب أن يغطي رؤوسهم هم أيضاً. وكتبت في مؤلفها عن "الحجاب" ما يلي:

"للرجل رغباته الجنسية، والمرأة أيضاً رغباتها. فهل يجب أن يتحجب الرجل لعدم إثارة شهوة المرأة؟".

بسبب كل هذه الأفكار المبتكرة، صارت نوال السعداوي مصدر إلهام لحركات نسوية كثيرة، وعلى الأخص تلك التي انتشرت في أوساط اليسار في العالم العربي، ومن بينها الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات ( ATFD) التي تأسست عام 1989، والتي تتابع فيها حفيظة شقير النضال بما لديها من أبحاث ودعوات من أجل الوصول إلى قوانين أكثر احتراماً للمساواة، وتقف بقوة إلى جانب النساء. واستمدت الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات من نوال السعداوي ومن غيرها قناعتها عن التقاطع ما بين النضال النسوي والمعركة من أجل الديموقراطية والالتزام بحقوق الإنسان.

تنقل حفيظة شقير عن الكاتبة فوزية زواري ما جاء في مقال كتبته في جريدة ليبراسيون وتشهد فيه عن التعاطف الذي كانت الطبيبة النفسية المصرية تشعر به تجاه النساء في العالم العربي، وعن المكانة الرفيعة التي كانت تشغلها لدى الأجيال الشابة في سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات:

"عندما كان يحالفنا الحظ بأن نلتقي بها، كانت تقول لنا دون مواربة هذه الجملة التي لم نكن نعرف أن نميز فيها ما بين الفضول وبين الضيق: "من أنتم؟". كنا عندها نقدم أنفسنا بخجل، تأخذنا بين ذراعيها فتكسبنا بذلك إلى صفها بشكل دائم".

*نوال السعداوي. مجموعة نصوص قدمتها حفيظة شقير، سيتيم، جنيف، 2022
Exit mobile version