فاطمة البسام
"شو جايبك؟ ليش مش باعتين شب؟"، كانت هذه الجملة تتردد كثيراً أثناء تغطيتي للحرب الإسرائيلية على لبنان. عملت على الخطوط الأمامية في الحرب، في مناطق مثل بلدات الخيام، مرجعيون، وغيرها من مناطق جنوب لبنان. غالباً ما واجهت استهجاناً من عناصر الجيش أو من القوى المنظمة على الأرض لوجودي بين المراسلين الرجال.
يعتقد بعض عناصر الجيش أو القوى الميدانية أن المرأة كائن ضعيف، غير قادر على تحمل المشاهد الدموية والدمار أو مواجهة ظروف العمل الخطرة. وقد بدا استغرابهم واضحًا، إذ كانوا يندهشون من مرونتي في التنقل بين المناطق، مما أثار دهشتهم بشكل ملحوظ.
كل ذلك ليس حالة استثنائية، إذ تواجه العديد من الصحفيات في لبنان مضايقات متنوعة، تبدأ بالتحرش ولا تنتهي بالتهميش والاستخفاف.
يعتقد بعض عناصر الجيش أو القوى الميدانية أن المرأة كائن ضعيف، غير قادر على تحمل المشاهد الدموية والدمار أو مواجهة ظروف العمل الخطرة. وقد بدا استغرابهم واضحًا، إذ كانوا يندهشون من مرونتي في التنقل بين المناطق، مما أثار دهشتهم بشكل ملحوظ.

صحافية سوريّة في لبنان
"الصحافة اختارتني، مش العكس"، تقول الصحافية آنا أوهان. منذ 13 عاماً، هربت آنا من سوريا، عاشت معاناة النزوح والحرب قبل أن تتحول إلى صحافية ميدانية ولاجئة في لبنان. تعمل آنا اليوم مع الوكالة الإسبانية EFE، وكمترجمة في جريدة الأخبار.
تردد الصحافية العشرينية: "خلال تغطيتي للحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، واجهت عدة صعوبات، منها عدم وجود جهة رسمية محددة للتنسيق الميداني. كنّا متروكات لمصيرنا"، تضيف: "قبل الذهاب للتغطية، كنت أتواصل مع أكثر من 25 شخصاً وجهة لضمان سلامتي، خاصةً كونني فتاة، حيث كان هناك دائماً استخفاف بعملي وقدراتي. كما كنت معرضة للمضايقات والتعديات، وفي كثير من الأحيان تحت مسمى العمل".
تصف آنا الخوف المضاعف الذي عاشته بصفتها صحافية سورية في لبنان، ما جعلها هدفاً للانتهاكات والتخوين والخطاب العنصري. كانت مضطرة في كلّ مرة لتبرير مواقفها وسبب تواجدها في مكان الحدث.
يذكر أن دراسة لـ"المركز اللبناني لبحوث السوسيولوجيا" عام 2020، أظهرت ارتفاعاً في التوترات بين اللبنانيين/ ات والسوريين/ ات بسبب الأزمة السورية وتدفق اللاجئين/ ات، ما أدى أحياناً إلى مظاهر عنصرية أو تمييز في العمل والإسكان والتعليم. وفقاً لتقارير منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" يعاني بعض السوريين/ ات من معاملة قاسية أو عنصرية، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والطرد من السكن.
صحافيات يواجهن الانهيار الاقتصادي
لا تملك آنا فرصة للانهيار كونها المعيلة الوحيدة لأسرتها في حلب بسوريا. الوضع الاقتصادي في لبنان وسوريا يعتبر من الأزمات المستمرة والمعقدة التي أثرت بشكل كبير على حياة السكان، وخاصة النساء، حيث تفاقمت التحديات الاقتصادية والاجتماعية في البلدين خلال السنوات الأخيرة.
أمّا فرح (اسم مستعار)، (32 سنة)، مراسلة ميدانية وكاتبة، فتقول إنها اضطرت لتحمل أعباء مالية إضافية خلال الحرب، مثل تكاليف إيجار غرفة في فندق في بيروت للبقاء قريبة من الأحداث، دون أن تقدّم لها إدارة عملها أي دعم مادي أو نفسي، رغم أنها تعمل لدى إذاعة تلفزيونية معروفة.
خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان وتزايد عدد النازحين/ ات ، ارتفعت أسعار الإيجارات بشكل جنوني بسبب غياب الرقابة. فمثلاً، الشقة التي كانت إيجارها 300 دولارٍ أميركي قبل الحرب، أصبح سعرها نحو 1000 دولارٍ أميركي. فاقم التضخم في الأسعار من معاناة النازحين/ ات، ليضاف إلى الاستهداف العسكري استهداف آخر لجيوبهم/ ن.
مضايقة الصحفيات مستمرة رغم الحرب
لم يكن الوضع الاقتصادي التحدي الوحيد لفرح، إذ تعرضت أيضًا للتحرش والمضايقات. تقول فرح: "لاحقني شابان على دراجة نارية، ووجها لي كلمات وألفاظاً نابية عندما رأيا شعار القناة التي أعمل بها على الميكروفون". تضيف: "أوهمني سائق الدراجة أنه سيدهسني، فابتعدت عن طريقه على الفور، وعندها انفجرت بالبكاء من شدة الخوف".
أما صفية (اسم مستعار) (30 سنة) وهي صحافية لبنانية مستقلة تعمل مع عدد من الوسائل الإعلامية المحلية والأجنبية، فتتحدث عن المضايقات التي تتعرض لها أثناء التغطيات الميدانية. وتعتقد أن السبب في زيادة هذه المضايقات هو عملها بمفردها، وليس ضمن فريق، ما يجعل الناس يتعاملون معها باستخفاف كونها تصور بهاتفها المحمول بدلاً من الكامير. تقول صفية : : "في كثير من الأحيان، كنت أذكر اسم عائلتي ووالدي، حيث إنه شخص معروف في الأوساط الضيقة، وخاصة في منطقة صور الجنوبية، وكان هذا يساعدني كثيراً".
في هذا السياق، أجرت مؤسسة سمير قصير بحثاً في كانون الثاني/ يناير عام 2024، شمل البحث 70 مقابلة مع صحافيات يغطين الأحداث في لبنان. وكشفت الدراسة أن نسبة التحرش الجنسي في المؤسسات الإعلامية هو 70% بينما وصلت المضايقات وانتهاكات الحقوق إلى 90 %.
شمل البحث 70 مقابلة مع صحافيات يغطين الأحداث في لبنان. وكشفت الدراسة أن نسبة التحرش الجنسي في المؤسسات الإعلامية هو 70% بينما وصلت المضايقات وانتهاكات الحقوق إلى 90 %.
جاء في التقرير: "يكشف وضع الصحافيّات في لبنان عن مشهد معقّد يتّسم بالعديد من التحدّيات وأوجُه القصور داخل المؤسسات. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمعالجة مسائل مثل التحرّش الجنسي والمعاملة غير المتساوية، لا يزال هناك نقص واسع النطاق في آليات المساءلة والدعم. كما تُواجِه صحافيّات عقبات مثل قدرتهنّ المحدودة على نيْل إجازة مدفوعة الأجر، ومخاوف بشأن السرّية والأمان ". ورغم الاعتراف بالحاجة لتحسين ظروف الصحافيات، إلا أن التقدم يصطدم بقضايا منهجية وديناميات السلطة الراسخة، ما يستدعي بذل جهود أكبر من خلال إصلاحات قابلة للتطبيق وتعزيز المساواة بين الجنسين وتوفير بيئة أكثر أماناً ودعماً للصحافيات في لبنان. توقف إطلاق النار منذ أكثر من شهرين، لكن تحديات الصحافيات في لبنان لم تنتهِ، فالإساءة والتحرش والمضايقات التي تتعرض لها النساء عموماً لا تعرف هدنة.