كانت رشا (17 عاماً) تلميذة في الثانوية، عندما اعتدى عليها جنسياً شاب يدعى "إسكندر"، ثمّ تقدّم لخطبتها من والدها الذي وافق، إلّا أنّ "الخطّاب" تراجع بحجّة أنّه "لا يزال صغيراً على الزواج".
حصلت رشا على شهادة الباكالوريا والتحقت بجامعة العلوم السياسية بالجزائر العاصمة، وعندما بلغت 19 عاماً عاد إسكندر من الخارج، وتواصل معها ثمَّ استدرجها إلى منطقة تبعد 75 كم عن العاصمة، حيث ضربها وحاول الاعتداء عليها مجدداً، لكن رفاقه منعوه من ذلك.
"ماذا أبي"؟

في 19 فبراير 2023، زار إسكندر الحي الذي تعيش فيه رشا بحثاً عن والدها لكنه لم يجده. أخبرت جدة رشا والدها أن إسكندر جاء إلى المنزل وتحدث عن ابنته بالسوء، قرر الوالد دعوته إلى المنزل بحضور أفراد العائلة، واتفقوا على تزويج رشا له بعد أن اعترف أمام الجميع باعتدائه عليها، إلّا أنّه سرعان ما تراجع مجدداً عن قرار عقد القران.
وفي يوم 23 شباط/ فبراير 2023، كانت رشا نائمة في صالون البيت، ووجهها موجه نحو الحائط وتغطي رأسها بوسادة، استغل والدها غياب الجميع، توجه إلى المطبخ، أحضر سكيناً صغيراً، وطعنها في ظهرها، كُسر السكين، واستفاقت رشا وسألته مذعورةً: "ماذا أبي؟"، وأجابها: "لا شيء، لا شيء". عاد إلى المطبخ وأحضر سكيناً آخر، ثم طعنها حتى فارقت الحياة.
سلّم الأب نفسه إلى الشرطة، بعد أن تواصل مع شقيقه وأخبره باللهجة الجزائرية أنه: "دار ديقة" أي "ارتكب أذى"، ثم أبلغه بأنه قتل ابنته. وعندما سأله شقيقه عن السبب، أجاب الأب: "يا خو، الشرف، الشرف، الشرف". ثمّ توجّه إلى مركز الشرطة، واعترف بأنه قرر ارتكاب الجريمة قبل يوم واحد.
يوم 23 آيار/ مايو 2024، أدانت محكمة الجنايات الابتدائية الجاني بـ 15 سنة سجن نافذة، عن جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصّد، وبعد ستة أشهر تمت إدانته بثماني سنوات خلال المحاكمة الاستئنافية، وهو الحكم الصادم الذي تسبب في غضب وحيرة في الشارع الجزائري.
تخفيف الأحكام في قضايا القتل
في القانون الجزائري، يُعاقب الجاني بالسجن من 10 إلى 20 سنة في حال الضرب أو الجرح المتعمد الذي يؤدي إلى الوفاة. أما القتل العمد فيعاقب عليه بالسجن المؤبد أو الإعدام إذا كانت الضحية من الأصول، أو تم باستخدام السمّ، أو ترافق مع جناية أخرى، أو إذا قتل أحد الوالدين طفله عن قصد.
تنصُّ المادة 48 من قانون العقوبات الجزائري على أنه لا يُعاقب الشخص إذا ارتكب جريمة تحت تأثير قوة قاهرة لم يستطع مقاومتها. لكن للأسف، يتم استغلال هذه المادة أحياناً لتبرير جرائم قتل النساء تحت ذريعة "الشرف"، وفقاً لتقرير "جرائم قتل النساء في الجزائر" الصادر عن مجموعة "لا لقتل النساء - الجزائر". (1)
ويرى المحامون الذين تواصلنا معهم، من أجل فهم طبيعة الحُكم الصادر في قضية رشا زيان، أن تخفيف العقوبات يعتمد على السلطة التقديرية للقاضي، خاصة إذا اعترف المتهم وأبدى ندمه بصدق وأظهر إحساساً بالذنب، فمن غير المنطقي تخفيف العقوبة إذا لم يبدِ المتهم أي ندم، ومن الممكن أن يكون هذا ما حدث في هذه القضية بحسب المحامين.
وتدعو مجموعة "لا لقتل النساء – الجزائر" إلى "إصلاح قانون العقوبات ليشمل قتل النساء بوصفه ظرفاً مشدداً للجرائم المرتكبة ضد النساء من قبل الزوج أو الزوج السابق، أو أحد أفراد الأسرة، أسوةً بما هو منصوص عليه في جريمة قتل الأصول".
أغلب ضحايا جرائم قتل النساء قاصرات
وفق إحصائيات مجموعة "لا لقتل النساء -الجزائر" في تقريرها بعنوان "جرائم قتل النساء في الجزائر 2019 – 2022"، فإن37% من جرائم قتل النساء يرتكبها أحد أفراد الأسرة أو أكثر، ويأتي ترتيب الجناة من داخل الأسرة على النحو التالي: الابن، الأخ، الأب، ابن الأخ، أو فرد آخر، من بين 228 ضحية شملهن التقرير خلال تلك الفترة، قُتلت 16 منهن وهن قاصرات، 9 منهنّ قُتلن على يد الأب.
في الفترة الممتدة بين 2019 و2024، أحصت مجموعة "لا لقتل النساء - الجزائر" ما لا يقل عن 37 حالة قتل لفتيات على يد آبائهن. اللافت أن غالبية الضحايا لم تتجاوز أعمارهن العشرين عاماً. (2)
في حزيران/ يونيو 2022، قتل رجل الطفلة ميعاد برحايل (15 عاماً) في ولاية باتنة، كما شهدت ولاية تلمسان حادثة مماثلة حيث قُتلت القاصر مروى بوخاري على يد والدها.
الأمر نفسه حصل مع الطفلة ميسم بوعزيزي (5 سنوات) في ولاية بسكرة. كما اهتزت ولاية جيجل في أيلول/ سبتمبر من العام نفسه على وقع جريمة قتل مزدوجة نفذها أب ضد ابنتيه، ليديا وندى لعور، اللتين لم تتجاوز أعمارهما 12 و9 سنوات.
وفي شباط/ فبراير 2021، قُتلت الفتاة كنزة سادات (17 عاماً) في ولاية تيزي وزو، وفي أيار/ مايو 2020 لقيت وئام عبد المالك (17 عاماً) مصرعها على يد والدها في ولاية تبسة(3). للأسف، تبقى هذه الحالات مجرد جزء من سلسلة جرائم متواصلة ضد النساء.
السردية الذكورية في الإعلام
برّرت وسيلة إعلام جزائرية خبر الجريمة بالقول، إن الجاني قتل ابنته "بدافع الشرف"، مستخدمة لغة مباشرة تصفها بأنها "منحرفة، متعاطية مخدرات، وليست عذراء".
تحويل رشا من ضحية إلى "مُتهمة" ليس حالة استثنائية، إذ غالباً ما تُبرِر الصحافة جرائم قتل النساء وتبحث عن أعذار للجناة، ما يعزز سردية ذكورية تجعل النساء "مسؤولات عن مصيرهن". تتكرر عبارات مثل "قُتلت بسبب نشرها فيديوهات على تيك توك"، "لأنها خائنة"، "لأنها كانت في علاقة غير شرعية"، "لأن تصرفاتها غير أخلاقية"... وغيرها من التبريرات التي تعيد إنتاج القوالب النمطية المسيئة.
يؤكد تقرير "جرائم قتل النساء في الجزائر 2019-2022"، أن وسائل الإعلام تنحاز غالباً إلى روايات الجناة أو أقربائهم، كما يشير إلى أن "العديد من الأسباب المطروحة لتفسير الجريمة مقبولة اجتماعياً، وعندما يكون الجاني أباً أو أخاً، تُتهم الضحية تلقائياً بـ "المساس بالشرف" حتى قبل معرفة تفاصيل الجريمة".

ومن جهتها تقول الصحفية الجزائرية والناشطة النسوية ماجدة زوين في حديثها مع "ميدفمينسوية": "تنقل السردية الذكورية في الإعلام التركيز من الجاني إلى الضحية، ما يعزز القوالب النمطية ويُحمّل النساء مسؤولية العنف الممارس ضدهن، خاصة في قضايا ما يُعرف بالشرف والسلوك الاجتماعي".
وتضيف: "يعيد الإعلام، في هذه الحالة، إنتاج التحيزات المجتمعية ويعزز ثقافة لوم الضحايا، ما يؤدي إلى تهميش القضية الأساسية وهي العنف ضد النساء".
وتقترح زوين: "تدريب الصحفيين على تغطية قضايا العنف ضد النساء ومراجعة السياسات التحريرية وتضمين أصوات نسائية، خاصة المهتمات بقضايا الجندر والنوع الاجتماعي، لتقديم السياق الحقيقي لهذه القضايا."
48% من الجناة هم من الأزواج
بحسب الأرقام، جرائم قتل النساء ليست مجرد حوادث فردية، بل ظاهرة عالمية تثير قلقاً متزايداً. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، تُقتل امرأة أو فتاة واحدة كلّ عشر دقائق على يد أحد أفراد أسرتها أو شريكها الحميم.
في الجزائر، الإحصائيات صادمة حول جرائم قتل النساء. يذكر تقرير مجموعة "لا لقتل النساء - الجزائر" مقتل ما لا يقل عن 310 امرأة منذ عام 2019، ما يعكس حجم المأساة. يشير التقرير إلى أن 51% من هذه الجرائم تُرتكب على يد الشريك الحالي أو السابق، بينما 37% على يد أفراد العائلة.
يمثل الأزواج 48% من الجناة، وغالباً تحدث هذه الجرائم بعد سنوات طويلة من العنف والتهديد، أو حتى بعد محاولات سابقة للقتل. كما أن 71% من الجرائم تحدث داخل المنازل، ما يكشف عن طابعها المنزلي، بينما تُسجل 12% في خارج المنزل. تكشف هذه الأرقام عن العنف الممنهج المستمر ضد النساء، ما يعزز الحاجة الملحة للتحرك ومكافحة هذه الظاهرة بشكل عاجل.
ماذا بعد؟
قضية رشا صفاء هي أكثر من مجرد حادثة فردية، إذ تعكس مشكلة أعمق في المجتمع الجزائري تتعلق بالعنف ضد النساء. يثير قرار التخفيف من عقوبة الأب تساؤلات جدية حول فعالية النظام القانوني في حماية النساء، وخاصة في حالات القتل، وحول قدرة القوانين على معاقبة مرتكبي هذه الجرائم بالصرامة المطلوبة، كما يسلط الضوء على ضرورة مراجعة السياسات القانونية لضمان توفير العدالة وحماية أكبر للنساء من العنف الأسري والقتل تحت ما يُسمى "الشرف".
من جهة أخرى تساهم السرديات الذكورية، التي تبرر جرائم القتل وتحمّل الضحايا المسؤولية، في تعزيز ثقافة العنف والتمييز، وتُشكل عائقاً رئيسياً أمام تحقيق العدالة للضحايا وتعزيز ثقافة المساواة. وفي كل مرة يتم فيها تبرير جرائم قتل النساء عبر السردية الذكورية، يُعاد قتل الضحايا مجدداً، على مستوى الرأي العام والإعلام.