الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أكبر القوى السياسية في العالم، إلا أن وصول امرأة إلى منصب الرئاسة فيها لا يزال بعيد المنال، حتى بعد أكثر من 200 عام من التاريخ السياسي. تثير هذه الفجوة تساؤلات حول قدرة النظام الأمريكي على احتضان القيادات النسائية وتبنّي تمثيلهن في أعلى المناصب.
في الوقت الذي تسعى فيه الحركات النسويّة إلى تغيير الأنظمة التي تُهمّش النساء، يكشف غياب تمثيل المرأة في منصب الرئاسة عن تحديات كبيرة تواجهها في الوصول إلى السلطة، كما يؤثر ذلك أيضاً على حقوق النساء في بلدان أخرى، خاصة في العالم العربي.
بالنسبة للحركة النسوية، الوصول إلى هذا المنصب ليس مجرد طموح فرديّ، بل هو معركة جماعية ترمز إلى قدرة النساء على إحداث تغيير حقيقي في المجتمع.
لسنا بصدد التمييز بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري أو تفضيل أحدهما بناءً على سياساتهما تجاه الشرق الأوسط، إذ لا يوجد خلاف جوهري في موقف الولايات المتحدة من هذه القضايا.
يعبّر كلا الحزبين عن دعم قوي لإسرائيل: يميل الجمهوريون بقيادة دونالد ترامب إلى التركيز على تحالف أمنيّ واستراتيجي قويّ من دون انتقاد السياسات الإسرائيلية الداخلية، في حين قد يسعى الديمقراطيون ومرشحتهم كاملا هاريس إلى تحقيق توازن بين دعم إسرائيل ومراعاة حقوق الفلسطينيين، رغم الانقسامات داخل الحزب بشأن هذا التوازن.
ولكن، لماذا من المهم وصول امرأة إلى الرئاسة الأمريكية؟
شكل فوز ترامب الساحق صدمة، خاصة أن نتائجه تعكس قبول الناخبين لبرنامجه الانتخابي الذي يعارض الحقوق الأساسية التي تدافع عنها الحركات النسوية، بدءاً من إلغاء الحقّ بالإجهاض ورفض حقوق الهويات الجندرية، وصولاً إلى تهميش النساء في السياسة. ولا يمكن إغفال تجاهل الناخبين/ ات تاريخ ترامب في قضايا التحرش، وسلوكياته التي لا تُظهِر احتراماً للنساء.
بالنسبة للحركة النسوية، الوصول إلى هذا المنصب ليس مجرد طموح فرديّ، بل هو معركة جماعية ترمز إلى قدرة النساء على إحداث تغيير حقيقي في المجتمع.
هذه السياسات ستؤثر سلباً على دعم حقوق النساء في دول أخرى، خاصة تلك التي تحارب وجود النساء في الفضاء العام مثل طالبان، إذ ستتعزز سلطتها الأبوية، مستغلة فشل امرأة في الوصول إلى الرئاسة الأمريكية كدليل على عدم فعالية "القيم الغربية" في تحقيق المساواة وستصبح الولايات المتحدة مثالاً يُحتذى به في محاربة حق النساء في الوصول إلى المناصب العليا فيها.
بدلاً من أن يُنظر إلى هذا الفشل كدليل على أن الغرب يواجه تحدياته الخاصة في مسألة المساواة، ستستخدمه هذه الحركات لتبرير استمرار هيمنتها الأبوية في المجتمعات التي تسيطر عليها.
كان فوز كاملا في الانتخابات الأمريكية سيوجه رسالة قوية حول قدرة النساء على القيادة، ويساهم في تحطيم قيودٍ تمنعهن من الوصول إلى المناصب العليا. كلما ازداد عدد النساء في مواقع القيادة حول العالم، فإن ذلك سيحفز النساء في جميع أنحاء العالم على السعي وراء طموحاتهن وكسر الحواجز المجتمعية التي تحدُّ من مشاركتهن في السياسة.
إن وجود امرأة في منصب الرئاسة سيعمل على تصحيح أوجه القصور في السياسات التي تؤثر على النساء مثل حقّ الإجهاض، المساواة في الأجور، والحقوق الصحية، وهي قضايا سعت الحركة النسوية لتغييرها وسيجعل سياسات الحكومة أكثر شمولية وإنصافاً للنساء، ما يعزز من فرص تمكينهن في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية.
إن نجاح امرأة في الوصول إلى هذا المنصب في دولة تُعتبر ذات تأثير عالمي، سيكون علامة فارقة لا تقتصر على تغيير مشهد السياسة الأمريكية فقط، بل ستستفيد منها الحركات النسوية في الدول الأخرى. من خلال هذا الإنجاز، يمكن أن يحدث تحوّل في التفكير الجمعي بشأن دور النساء في السلطة، وقد يؤدي إلى تغيير في كيفية فهم المجتمع للقيادة والسلطة.
رغم الصور النمطية الراسخة عن "المرأة القوية" في السياسة وما تواجهه من شكوك وانتقادات، فإن وصول امرأة إلى هذا المنصب سيمثل تصحيحاً لهذه التصورات، ويؤكد قدرة النساء القيادية على أعلى مستوى.
قد لا تحمل كاملا هاريس المواصفات الملائمة لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية وفق الناخب/ة الأمريكي/ة، لكن ما يعنينا هو وصول النساء القادرات المتمكنات إلى أعلى المناصب السياسة من أجل تحسين واقع النساء في كلّ بقعة من العالم.