باسكال صوما - حياة الزين
مع اشتداد الحرب في لبنان وتوسع رقعتها، سُجل عبور نحو 440 ألف شخص إلى سوريا، بحسب الهلال الأحمر السوري، منذ أيلول/ سبتمبر وحتى 22 تشرين الأول/ أكتوبر، 71% منهم سوريون/ ات و29% هم من اللبنانيين/ ات.
وبحسب جولة ميدانية أجرتها "ميدفيمينسوية"، تبيّن أن معظم النازحين في الآونة الأخيرة هم من النساء والأطفال، إذ تعيق عودة الكثير من الرجال إلى سوريا اعتباراتٌ أمنية أو الخوف من التجنيد الإجباري والاحتياطي.
وفي غياب الرجال، تتحمّل النساء مسؤوليات كبيرة لحماية الأطفال ومساعدتهم، علماً أن الطريق صعب وطويل وخطير، ذلك أن قصف المعبر أو الطريق الحدودية، متوقع في أي لحظة. وفي ظلّ هذه المشقات التي تواجهها نساء، علماً أن بينهن حوامل ومرضعات، سُجلت بالفعل وعكات صحية أثناء الطريق عانت منها سيدات وأطفال.
بقيتُ ثلاثة أيام على الطريق
"نحنا فلينا من الضاحية بسبب الغارات العنيفة أنا وابني بس زوجي ما قدر ينزل لأن عليه احتياط"، تقول هبة، وهي لاجئة سورية كانت تسكن في منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتضيف أن القصف العنيف على الضاحية أصيب طفلها الذي يبلغ من العمر سنتين ونصف السنة بنوبات هلع شديدة، فقررت العودة إلى سوريا، لكنها لم تتوقع أن تواجه كلّ هذا العناء في طريق العودة.
"ركبتُ حافلة من منطقة النبعة في لبنان، وكان من المفترض أن توصلني إلى دمشق، وبسبب زحمة السير الخانقة من لبنان إلى سوريا بقيت الحافلة عالقة لمدة يومين على الطريق، وعندما رأى السائق أن الأمر قد يطول أكثر، قرر العودة إلى لبنان، لكن عناصر الأمن اللبنانيين على الحدود منعوه من الرجوع وتمَّ توقيفه، فاضطر الركاب إلى عبور الحدود اللبنانية - السورية مشياً على الأقدام". تتابع هبة: "حملت ابني على ظهري مع حقيبة ثيابنا، وأنا حامل في شهري الثامن وأعاني من تجلطات في قدميّ نتيجة الحمل".
بعدما اجتازت الحدود السورية، فقدت هبة قواها بالكامل بسبب قلة الأكل والشرب والإرهاق الشديد، ما استدعى نقلها في سيارة إسعاف إلى أحد المستشفيات حيث مكثت يومين، تلقت خلالها العلاج اللازم وبعدها أكملت طريقها نحو منزل بيت عائلة زوجهافي الرقة بسوريا.
بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، تكون آثار النزوح أكثر حدة على النساء والفتيات، خصوصاً اللواتي يهربن من العنف أو يمكثن في ملاجئ مكدسة أثناء الحيض أو الحمل، إذ يواجهن تحديات صحية واجتماعية واقتصادية كبيرة.
وأشار الصندوق إلى أن أكثر من 11 ألف امرأة حامل قد تضررن بسبب تصعيد القصف في لبنان، ومن المتوقع أن تضع 1300 منهن مواليدهن خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي.
من الحرب إلى الدمار
مع اشتداد الغارات، قررت أم عبد الله النزوح من منزلها في صبرا والعودة إلى سوريا مع أطفالها الأربعة لكن زوجها رفض مرافقتهم لأسباب لم توضحها لنا، تقول أم عبدالله: "ضلينا نمشي من الساعة 11 الصبح للساعة 11 تاني يوم معتمدين ع المشي أكثر من السيارات بسبب الزحمة".
تصف أم عبد الله الرحلة بالمرهقة جداً، فالسائق الذي أقلها من لبنان إلى سوريا طلب منها أن تنزل قبل الحدود السورية بمئة متر بحجة أن السيارة لا تستطيع السير بسبب الزحمة الخانقة، وعندما وصلت أم عبدالله إلى الحدود، انتظرت وقتاً طويلاً لتستطيع ختم الجوازات، بسبب أعداد النازحين الكبيرة، "كأنه يوم القيامة"، تقول أم عبدالله.
بعد معاناة طويلة وصلت أم عبد الله إلى منزلها في ريف حلب الشرقي، الذي تصفه بأنه بدا أشبه بالخرابة، إذ تضرر من القصف قبل 9 سنوات خلال الحرب السورية، ولم تستطع حينها أن تجمع المال لإصلاحه.
تقول أم عبدالله: "ابني يعاني من مشاكل في الكلى، لذا يحتاج إلى شرب مياهٍ مفلترة، لكن حيث أنا الآن في سوريا، المياه النظيفة رفاهية لا أستطيع تأمينها لولدي، إذ لا أملك ثمنها، ما يعرّض صحته لمخاطر عدة"، تختتم قائلة: "حتى أنني أجد صعوية في تأمين الخبز والمواد الغذائية بسبب أسعارها المرتفعة. أحاول أن أجد عملاً، لكن الفرص شحيحة".
فقدت زوجها في غارة
كانت ليلى تأمل أن يبعدها هروبها مع زوجها وأطفالها الخمسة من بيروت إلى برجا، في إقليم الخروب عن خطر الغارات الإسرائيلية، لكن سرعان ما تبددت تلك الآمال.
وفي التفاصيل، خرج زوج ليلى الذي كان يعمل في البناء للعمل في إحدى الورش في منطقة جدرا، لكن المبنى الذي كان يعمل فيه تعرض لغارة إسرائيلية، أدت لسوء حظه إلى مقتله.
تقول ليلى: "عصر ذلك اليوم شعرت بأن هنالك خطراً ما، فنزلت إلى الشارع أبحث عن زوجي، إذ لم يرد على اتصالاتي. بعد ساعات من البحث أخبرني أحدهم عن جثة مجهولة الهوية موجودة في براد أحد المستشفيات ليتبين لاحقاً أنه زوجي".
تم نقل الجثة بعد إنهاء معاملة الوفاة بواسطة سيارة خاصة إلى الحدود السورية، حيث استلمها الصليب الأحمر ونقلها إلى الداخل السوري، أما ليلى وأطفالها، فاضطروا إلى عبور طريق المصنع الذي كان قد تعرض لغارة إسرائيلية مشياً على الأقدام لأكثر من نحو ثلاث ساعات بين أكوام الحجارة.
تسكن ليلى اليوم في البوكمال الواقعة بدير الزور في غرفة في منزل شقيقها، وتصف العيش هناك بالصعب جداً، "ليت عندنا فتوى شرعية تسمح لي بعدم إكمال العدة بعد وفاة زوجي، كي أستطيع الخروج والعمل لتأمين حليب طفلي الصغير".
وفق تقرير للأمم المتحدة، بعض الفئات من النساء، مثل النساء المُعيلات لأسرهن، والأرامل، والنساء ذوات الإعاقة، والعاملات المنزليات المهاجرات، وكبيرات السن، يواجهن مخاطر متزايدة ويحتجن إلى دعم إنساني متخصص. على سبيل المثال، يواجه العديد من اللواتي أصبحن أرامل حديثاً نتيجة النزاع المستمر، تحدّيات كبيرة في تلبية احتياجاتهن الأساسية واحتياجات أطفالهن في موازاة الحفاظ على كرامتهن.
"رأينا الموت على طريق النزوح"، قالت إحدى السيدات السوريات مختصرة معاناتها الطويلة، وهو ما تواجهه مئات، بل آلاف النساء يومياً في طريق العبور من لبنان حيث الحرب إلى سوريا حيث انعدام الخدمات والدمار. وكأن كل المأساة التي عاشتها السوريات في لبنان لم تكن كافية، بالإضافة إلى التهميش واستغلال حاجتهن للمال في سوق العمل، واضطرارهن لتحمل الأعباء الإقتصادية والاجتماعية والنفسية، اليوم، تأتي الحرب والنزوح لمضاعفة معاناتهن.
وأخيراً، بحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن النساء والفتيات يتعرّضن لمعاناة أكبر نتيجة وضعهن المختلف عن سواهن في المجتمع والأعراف الاجتماعية التمييزية، ما يجعلهن أكثر عرضة للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ويزيد من الأعباء التي يتحملنَها في رعاية الأسر والأعمال المنزلية غير المدفوعة. وقد تفاقم هذا العبء بسبب الأطفال الذين توقفوا عن ارتياد المدارس أو الذين يتعلّمون عن بُعد، وبسبب أداء المهام المنزلية في مراكز الإيواء التي تفتقر للتجهيزات المناسبة في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة العامة ما يعيق الاستحمام أو غسل الثياب، كما تضاف إلى هذه الأعباء دور النساء في إدارة الصدمات النفسيةّ التي يمر بها أطفالهن جراء القصف.