هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)
شادية خذير
نجح مسلسل "نعمة الافوكاتو" خلال النصف الأول من شهر رمضان، في الوصول إلى قائمة الأعمال الأكثر مشاهدة على مختلف منصات العرض. يروي العمل قصة زوجين مختلفين في كل شيء، تعمل نعمة سعيد أبو علب محامية في محكمة الاستئناف ومجلس الدولة، وهي ابنة محامٍ متمرس تعتبره مثلها الأعلى، أمّا صلاح فهو عامل في دكان بسيط، والدته نوال دائمة التذمر والشكوى من كل شيء.
الانتقال من الحبّ إلى الانتقام
ليس المسلسل أول تعاون بين الثنائي الزوجين مي عمر ومحمد سامي اللذين عملا معاً في مسلسل "نسل الأغراب" 2021، مع النجمين أحمد السقا وأمير كرارة. ونعمة الأفوكاتو من تأليف مهاب طارق ومحمد سامي وتمثيل كلّ من أحمد زاهر وأروى جودة وكمل أبو رية وطارق النهري.
يواصل المخرج سامي اشتغاله على أعمال تجمع بين الخير والشرّ، ليختار الانتقام كطبقٍ مفضلٍ للقصص ويتفنن في تصوير أشكاله التي اختارتها نعمة لزوجها بعد انتقالها من مرحلة الدعم المطلق والحبّ إلى مرحلة الإنتقام بعدما اكتشفت خيانته لها.
تمزج الحبكة الدرامية بين الكوميديا والسوداوية وتقودنا إلى اكتشاف أسباب وهن علاقة الثنائي وكيف انقلبت حكاية الحب إلى كابوس تسيطر عليه رغبة الانتقام.
يضعنا المخرج منذ اللقطات الأولى أمام تناقض كبير، بين نعمة وهي شعلة ضوء تضج بالحياة والحيوية، وهو واحد من بين أجمل الأدوار التي أدتها مي عمر على الإطلاق، وزوجها صلاح (أحمد زاهر) المنطفئ المكسور والمهزوز من الداخل.
يجمع صلاح ونعمة بيت واحد وتفرقهما آلاف المسافات الفكرية والاجتماعية والخيارات، ليس على المستوى المهني وحسب بل على المستوى الاجتماعي والنفسي، يمتلك صلاح صديقاً واحداً، وهو زميله في العمل في الدكان والذي فرضه واقع العمل، لا يمتلك صلاح محيطاً اجتماعياً عدا صديقه هذا، لا رفقاء ولا أقارب ولا علاقات أخرى، في إشارة إلى ضعف قدرته على نسج روابط وعلاقات اجتماعية وأسرية، كالواقف على قدم واحدة باحثاً عن توازن مفقود، بالإضافة إلى عناصر أخرى تكمل شخصيته المهتزة أصلاً وهي إحساسه بالانكسار والعجز والفشل.
نعمة امرأة ناجحة بخيارها
أما في الجهة المقابلة تقف نعمة المحامية بقدمين ثابتتين تدعمها العائلة والأصدقاء، صاحبة روح طيبة وكريمة، تتقاسم ما تملكه من حبّ وأفكار ومرح مع محيطها الذي تتفاعل معه بشكل تلقائي.
نعمة مدار للعلاقات وفلك تدور حوله القصص فهي تلميذة والدها التي كادت تتفوق عليه، يرى فيها تعويضاً عن قسوة الحياة، ولأصدقائها موطن أسرار وملجأ للبوح أما لموكليها فهي مفتاح الفرج، صاحبة الحلول والمنقذة من ظلمات السجون، تمكنت من منح معنى لكل هؤلاء، معنى صنعته وبنته حجراً وراء حجرٍ وهي تدرك ذلك وتسعى للمحافظة عليه.
ومثل العديد من النساء، لم تأتها هذه الحياة على طبق من ذهب إنما استثمرت في نفسها وعملها وكدحت متخطية كل العقبات، وهو مسار صعب قد لا تختاره كل النساء، ولكن هل على المرأة أن تدفع ثمناً غالياً لقاء هذا المسار؟
لم تخطئ نعمة عندما اختارت ألّا تكون رقماً سهلاً في المحاماة ونجحت في التفوق، ليس فقط على زملائها من أبناء جيلها ولكن على أستاذها ومعلمها خالد الأشقر، هل كان عليها أن تخفي نجاحها أمام زوجها صلاح الذي يدور في دائرة مفرغة من الفشل والانكسار والذي يعتبر مسؤولاً عن جزء كبير منه؟ بالطبع لا، لا يتوجب على نعمة أن تخفض سقف طموحاتها خوفاً من تجاوز مستوى معين من الممكن والمتاح مجتمعياً والذي سجن زوجها صلاح نفسه فيه، المؤسف أن صلاح هو نتاج هذا المجتمع الذي لا يتقبل نجاح شريكته ويعتبره انتقاصاً من شأنه.
الغيرة لتجنب مواجهة الفشل
نكتشف على مدار العمل الأقنعة التي يرتديها صلاح ويخلعها على التوالي لتتكشف غيرته وإحساسه بالدونية أمام زوجته، فيطغى في الحلقات الأولى على الحوارات بين الزوجين هاجس واحد وهو إحساس الزوج بالعجز والفشل مقابل سعي الزوجة لتشجيعه وتحفيزه رغم عملها على ملفات صعبة في قضايا موكليها وبحثها بمجهر صغير عن تفاصيل القضايا وهو أحد الجوانب الجذابة في شخصيتها، لكن هذا البريق يختفي مع زوجها فسرعان ما تنطفئ معه وتتحول من محامية إلى باحثة عن رضى زوجها وإسعاده لو كان على حسابها، مثلاً دفعت نعمة زوجها للاعتقاد أنه ربح قضية الوقف القديمة ومنحته دون أن يعرف أتعابها من قضية كبيرة لرجل الأعمال ياسين الألفي، ليصبح صلاح غنياً. اعتقدت نعمة أنها وبهذه الطريقة ستخلصه من عقدة الدونية لكن حدث العكس وانكشف وجهه الحقيقي الذي يعكس حقداً دفيناً وغيرة تجاه تفوق زوجته ونجاحها المهني والاجتماعي، فأمعن في إذلالها معتبراً أنها السبب في إحساسه بالعجز والفشل طيلة سنوات زواجهما، في جميع الأحوال ما كان يجب على نعمة منح زوجها المال، إذ أنها تعزز بهذه الطريقة الصورة النمطية حول علاقة الزوجين ومكانة المرأة مقابل الرجل.
الغيرة والاعتقاد أن للمرأة سقف من النجاح المهني والاجتماعي، عليها ألّا تتجاوزه حتى لا تحرج زوجها، واقع تعيشه الكثير من النساء في منطقتنا وهو ما جسدته أعمال درامية لمخرجين شبان مثل أعمال عبد الحميد بوشناق في سلسلة "كان ياماكانش" و"رقوج" فظهرت المرأة هي المحركة للأحداث والمتفوقةً على الرجل وكما حصل مع ساندرا هولر بطلة فيلم"Anatomie d'une chute" الحاصل على جوائز عديدة أهمها السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي وهو فيلم برعت مخرجته في تشريح طبيعة العلاقة بين زوجين يمتهنان الكتابة، تنجح هي بفضل التزامها ومواظبتها أما هو فيفقد نجاحه ومكانته بين الكتاب الناجحين بسبب الكسل، فيختار لعب دور الضحية عوضاً عن مواجهة الأسباب الحقيقية لفشله ويحمّل زوجته كل ما عاشه متذرعاً مرة بانشغالها عن ابنها وتارة بأنانيتها أو بعدم اهتمامها به، إلا أنها جميعها تبريرات لتجنب مواجهة الفشل.
من المهم أن تفكك السينما والأعمال الدرامية طبيعة العلاقة المتشعبة بين المرأة والرجل بخاصة فيما يتعلق بالغيرة، وأن تشرح الطبيعة المعقدة لهذه العلاقات التي ساهمت الأفكار والتربية الذكورية في تحويلها إلى شكل من أشكال الصراع.