في ساعات الصباح الأولى من يوم الخميس 26 كانون الثاني/يناير 2023، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة في مخيم جنين، شمالي الضفة الغربية، أودت بحياة 10 فلسطينيين بينهم سيدة مسنّة، وجرح أكثر من 20 شخصاً، وبين المصابين إصابات حرجة. تُضاف إلى ذلك خسائر كبيرة بالممتلكات العامة ومركبات المواطنين/ات ومنازلهم.
في سلسلة الاعتداءات الأخيرة، استهدفت قوات الاحتلال بشكلٍ متعمد مستشفى جنين الحكومي، وقتلوا شاباً كان فقط يقف أمام المستشفى وأصابوا أطفالاً ومرضى بحالات اختناق. علّقت وزيرة الصحة مي الكيلة على الاعتداء وقالت "إن ما قامت به قوات الاحتلال، في جنين ومخيمها، جريمة مركبة بحق المواطنين والمرضى والطواقم الإسعافية والطبية العاملة في الميدان وفي مستشفى جنين الحكومي." وأضافت الكيلة خلال مؤتمر صحافي عُقد في مجمع فلسطين الطبي في يوم المجزرة، بمشاركة الطواقم الطبية وكوادر الوزارة في مدينة رام الله، أن "الاحتلال اقتحم مستشفى جنين الحكومي، وأطلق بشكل متعمد قنابل الغاز المسيل للدموع تجاه قسم الأطفال في المستشفى، ما أدى إلى إصابة أطفال مرضى وذويهم وطواقم طبية بحالات اختناق".
كرّرت الكيلة أن هذه الاعتداءات المتصاعدة تخالف كافة الشرائع والأنظمة والقوانين الإنسانية والدولية واتفاقيات جنيف ومعاهداتها بخصوص الجرحى والطواقم الطبية، والتي تكفل لهم حرية الحركة وتقديم الرعاية الصحية والطبية للجرحى... لا بل ترقى الاعتداءات إلى جرائم حرب ضد الطواقم الطبية والإسعافية وكافة المدنيين/ات، مناشدةً كل دول العالم بالتدخل سريعاً للجم قوات الاحتلال.
رداً على مجزرة جنين... القيادة الفلسطينية تعلن وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل
تعليقاً على التصعيد الإسرائيلي الأخير، قررت القيادة الفلسطينية اعتبار التنسيق الأمني مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي بالمنتهي. وجاء ذلك في بيان صدر عن الاجتماع الطارئ الذي عقدته القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس، لبحث تداعيات المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنين بحق أبناء الشعب الفلسطيني. دعا البيان الذي صدر عن الاجتماع إلى "التوجه الفوري إلى مجلس الأمن الدولي لتنفيذ قرار الحماية الدولية للشعب الفلسطيني تحت الفصل السابع ووقف الإجراءات أحادية الجانب" وأعلن أن "القيادة قررت التوجه بشكل عاجل إلى المحكمة الجنائية الدولية، لإضافة ملف المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنين الى الملفات التي تم تقديمها سابقاً، والدعوة الفورية لقدوم لجنة التحقيق الدولية المستمرة في مجلس حقوق الإنسان، للتحقيق وإحالة مخرجاتها بشأن مسؤولية الاحتلال عن هذه المجزرة للمحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن".
زيادة وتيرة اعتداءات المستوطنين
منذ مجزرة جنين في نهاية كانون الثاني/يناير 2023، والأراضي الفلسطينية تشهد توتراً متصاعداً ازدادت حدّته بفعل اعتداءات المستوطنين في أنحاء الضفة الغربية والتي شملت دهس شاب، وإطلاق نار حيّ، ومهاجمة مركبات فلسطينية، وإتلاف ممتلكات وخزانات مياه ومعدات زراعية، وخط شعارات عنصرية.
في هذا الإطار، قالت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان إن "ما يزيد على 120 اعتداء سُجّلت خلال ليلة واحدة في منطقة جنوب نابلس، بينها إحراق منزل ومركبات وخط شعارات عنصرية، نفذها مستوطنون". وطالبت بإدراج منظمات استيطانية على "قوائم الإرهاب".
وأدانت الخارجية الفلسطينية إرهاب ميليشيا المستوطنين المتطرفين المسلحة المتصاعد ضد الفلسطينيين/ات وأرضهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وأكدت أن الحماية التي يوفرها المستوى السياسي في دولة الاحتلال للمستوطنين وعصاباتهم والدعم والإسناد الذي توفره الحكومة الإسرائيلية للاستيطان يشجّع عناصر منظمات المستوطنين الإرهابية على ارتكاب المزيد من الانتهاكات والجرائم، بخاصة في ما يتعلق بتوسيع عملية تسليحهم دون ضابط أو قانون.
عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال يبلغ نحو أربعة آلاف و700 أسيرًا، من بينهم 34 أسيرة
حملات اعتقال في الضفة والقدس
إلى ذلك، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي في أوائل شباط/فبراير 2023 حملة اعتقالات جديدة في صفوف المواطنين/ات في مناطق متفرقة من الضفة الغربية والقدس المحتلة. وبحسب مصادر محلية، فإن قوات الاحتلال اعتقلت الشابين عماد ناصر بني عودة ومحمود عمر بني عودة في أعقاب اقتحام منزليهما في بلدة طمون جنوب طوباس شمال الضفة الغربية. كما اعتقل الشاب يزن أبو قبيطة، في أعقاب اقتحام منزله في مدينة يطا جنوب الخليل (جنوب الضفة). واعتقل الاحتلال أيضاً عدداً من الشبان من سكان بلدة العيساوية شرقي القدس المحتلة، خلال حملة مداهمات ليلية.
تشهد مدن الضفة الغربية المحتلة، اقتحامات شبه يومية لقوات الاحتلال ومستوطنيه، تنتهي عادة باعتقال وإصابة عدد من الفلسطينيين واستشهاد آخرين في بعض الأحيان. ووفقا للمؤسسات المعنية بالأسرى، فإن عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال يبلغ نحو أربعة آلاف و700 أسيراً، من بينهم 34 أسيرة.
الاحتلال يعتدي على أسيرات في سجن "الدامون"... والاتحاد العام للمرأة يدين
اقتحمت قوات القمع التابعة لإدارة سجون الاحتلال قسم الأسيرات في سجن "الدامون"، واعتدت على ممثلة الأسيرات ياسمين شعبان.
تعليقاً على هذا التعدّي، شرح المتحدث باسم هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين حسن عبد ربه في تصريحات إعلامية، إن قوات القمع "اقتحمت القسم، ونكّلت بالأسيرات، واعتدت بالضرب على ممثلتهن ياسمين شعبان، ونقلتها للعزل الانفرادي، ما تسبّب بحالة من التوتر الشديد سادت السجن".
وقالت هيئة الأسرى إن الاسيرات يحرقن الغرف وإن إدارة سجن الدامون ترشّ الغاز المسيل للدموع وغاز الفلفل على قسم الأسيرات، وهناك اعتداء بالضرب على عد د منهن، وحالة توتر في كل السجون وسيكون هناك خطوات تصعيدية في كل السجون للرد على مايحدث عند الاسيرات.
أوضح عبد ربه أن الأسرى في سجون الاحتلال شرعوا بإجراءات احتجاجية رفضاً للممارسات التعسفية التي تمارس بحقهم، منها عدم خروجهم للفحص الأمني. وكانت قوات القمع اقتحمت قسم الأسيرات، وأجرت تفتيشات استفزازية ودقيقة لغرفهن، وصادرت الأجهزة الكهربائية من القسم، وأغلقته لمدة أسبوع.
من جهته أدان الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، القمع الذي تتعرض له الأسيرات في سجن "الدامون"، والذي يتجاوز كل الأعراف والاتفاقيات الدولية بحق الأسرى. وحمّل الاتحاد في بيانه الاحتلالَ الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن المساس بحياة الأسيرات والأسرى في السجون ودعا المؤسسات الدولية التي تعمل على حقوق الإنسان، إلى تحمّل مسؤولياتها "إزاء أسيراتنا وأسرانا، وإرسال لجان تقصي حقائق، للوقوف على أوضاع أسرانا وأسيراتنا، فالإجراءات العقابية والسلوك الهمجي من قبل سلطات الاحتلال وإجراءاتها التعسفية تستدعي التعامل مع الموقف والوقوف بوجه جرائمها، والضغط على المؤسسات الدولية لتقديم قادة الاحتلال للمحاكم الدولية ومساءلتهم على عدم تطبيق اتفاقية "جنيف" بحق الأسرى، واعتبار ممارساتها جرائم حرب ضد أسرانا".
وزارة الصحة الفلسطينية: كانون الثاني/يناير الأكثر دموية في الضفة الغربية منذ 2015
قالت وزارة الصحة الفلسطينية إن 35 فلسطينياً استشهدوا برصاص الجيش الإسرائيلي منذ بداية العام الجاري بينهم 8 فتية وسيدة مسنّة. وذكرت الوزارة في بيان أن شهر يناير/ كانون الثاني الجاري يعتبر "الأكثر دموية" في الضفة الغربية منذ عام 2015، بالنظر إلى حصيلة القتلى المسجلة خلاله. وبحسب الوزارة أيضاً، فإن الإصابات التي سُجّلت على أجساد الشهداء أظهرت أن إطلاق النار كان يتركز في الأجزاء العلوية، وغالبيتها في الرأس. وأوضحت أن محافظة جنين في شمال الضفة الغربية سجّلت العدد الأكبر من الشهداء الفلسطينيين منذ بداية العام الجاري بواقع 20 شهيداً.
إطلاق نار في القدس ردّاً على مجزرة جنين
رداً على مجزرة جنين، نفذ شاب فلسطيني عملية إطلاق نار قُتل فيها 7 أشخاص وأصيب عدد آخر في مستوطنة "النبي يعقوب" قرب بلدة بيت حنينا في القدس المحتلة، فيما استشهد المنفذ برصاص الشرطة، مساء الجمعة 27 كانون الثاني/يناير 2023.
عُلم أن الشهيد هو الشاب خيري علقم (21 عاماً) من سكان الطور شرقي القدس، ورجّحت الشرطة الإسرائيلية أنه نفذ العملية لوحده وقالت إنه دون سوابق أمنية، فيما استدعت والديه للتحقيق واعتقلت من داخل البيت 15 شاباً فلسطينياً كانوا في منزل الشهيد خيري علقم. وصلت حصيلة الاعتقالات إلى 42 اعتقالاً نفذته شرطة الاحتلال بحق أقارب الشهيد وأصدقائه. ورفعت الشرطة الإسرائيلية حالة التأهب إلى أعلى مستوياتها.
يذكر أن جد الشهيد، خيري علقم، الذي أطلق عليه اسمه، كان استشهد طعناً على يد مستوطنين في القدس عام 1998، فيما لم يتم القبض على قاتليه آنذاك.
بعد عملية القدس... عقوبات جماعية ضد الفلسطينيين
أقر مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر (الكابينت) سلسلة إجراءات عدّتها السلطة الفلسطينية "عقوبات جماعية" رداً على عملية إطلاق النار في القدس والتي قُتل فيها 7 إسرائيليين، منها الإغلاق الفوري لمنزل عائلة الشهيد خيري علقم، "تمهيداً لهدمه"، وحرمان عائلات منفّذي العمليات من التأمين الوطني، وسحب بطاقات الهوية الخاصة بسكان القدس (هوية مقيم) من عائلات منفذي العمليات. كما قرّر أيضاً تسريع نطاق منح تراخيص حمل الأسلحة النارية للإسرائيليين، وتعزيز الإجراءات الأمنية في المستوطنات، وتعزيز وجود الشرطة والجيش وسن حملات لجمع أسلحة "غير مشروعة".
محللين سياسيين: قد تفلت الأوضاع من السيطرة
أكد الباحث في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، أن الوضع في الأراضي الفلسطينية قابل للاشتعال بشكل قد لا يتم السيطرة عليه. وأضاف خلال مداخلة صحافية أن "إسرائيل تقدم رواية أحادية الجانب تستند إلى معلومات استخباراتية، وتقدّمها إلى عالم على أنها حقيقة... محذّراً من أن الوضع "أصبح على شفا الانفجار وسط حالة ترقب من الجميع"، لافتاً إلى وجود عدة نقاط للاصطدام في رام الله وفي القدس وقلقيلية وغيرها.